بعد ان بين الله تعالى ان وظيفة الرسول هي التبليغ، ناسَبَ ان يصرّح بأن الرسول قد أدى وظيفة البلاغ الذي كمُل به الاسلام، وانه لا ينبغي للمؤمنين ان يكثروا عليه من السؤال، لئلا يكون ذلك سبباً لكثرة التكاليف التي يشقّ على الأمة احتمالها.
يا أيها المؤمنون، لا تسألوا عن أشياء من أمور الدين ودقائق التكاليف ولا من امور الغيب، مما يُحتمل أن يكون إظهارها سبباً لإرهاقكم، إما بشدة التكاليف وكثرتها، أو بظهور حقائق تفضح أهلها، وإن تسألوا النبي عنها في حياته اذ ينزل عليه القرآن يُبّينها الله لكم. ولقد فعلتم ذلك، لكن الله عفا عن مسألتكم، وهو حكيم بكم رؤوف في معاملتكم. عفا الله عنكم في هذه الاشياء، فلا يعاقبكم عليها، ولقد سأل عن أمثال هذه الامور الشاقة اقوام سبقوكم، وأجابهم الله على السنة انبيائهم، وحين زادت التكاليف ثقُل عليهم تنفيذها، فأعرضوا عنها وأنكروها. وبذلك كانوا هم الخاسرين.
والله سبحانه وتعالى يريد بنا اليسر لا العسر، وقد أنزل هذا القرآن ليربي الرسول على هَديه وينشىء مجتمعا متكاملا، فمن الأدب مع الله والرسول ان يترك الناس لحكمة اللهة تعالى تفصيل تلك الشريعة وإجمالها.
وفي الحديث الصحيح عن ابي ثعلبة الخشني قال، قال رسول الله عليه السلام:«ان الله فرض فرضا فلا تضيّعوها، وحدَّ فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن اشياءَ رحمةً بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها» رواه الدارقطني وغيره.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ذَرُوني ما تركتُكم، فإذا أمرتُكم بشىء فأتُوا منه ما استطعتُم، وإذا نهيتكم عن شيء فدَعُوه، فانما أُهلِكَ مَن كان قبلَكم بكثرة سؤالهم واختلافِهم على أنبيائهم» .
وذكر عن الزهري قال:«بلغنا ان زيد بن ثابت الانصاري وهو من علماء الصحابة الكرام كان يقول اذا سئل عن الأمر: أكان هذا؟ فإن قالوا: نعم قد كان، حدّث فيه بالذي يعلم، وان قالوا: لم يكن، قال: ذروه حتى يكون» .