وحيا: كلاماً خفيا. من وراء حجاب: يُسمع ولا يُرى. روحاً من أمرنا: ان هذا القرآن روحٌ تحيا به القلوب، وتتغذى به الأنفس. نوراً نهدي به: الناسَ الى الصراط المستقيم.
بعد ان بين تعالى النعم الحسيّة التي يعيش بها الناس، بيّن هنا النعمَ الروحية التي تحيا بها القلوب، وتعمرُ الأنفس، وبيّن أن الناس محجوبون عن ربّهم، لأنهم في عالم المادة وهو منزَّهٌ عنها، ولكن من رقَّ حجابُه، وخَلَصَت نفسُه من شوائب المادة، فانه يستطيع ان يتصل بالملأ الأعلى، وان يسمع كلام ربّه بأحد الأوجه الآتية:
١- ان يحسّ بمعان تُلقى في قلبه، او يرى رؤيا صادقة كرؤيا الخليل إبراهيم بانه يذبح ولده. . . ورؤيا الأنبياء وحي.
٢- ان يسمع كلاماً من وراء حجاب كما سمع موسى عليه السلام من غير ان يبصر من يكلّمه، فقد سمع كلاما ولم ير المتكلم.
٣- ان يرسل الله مَلَكا فيوحي الى النبيّ ما كلّف به.
ثم ذكر الله تعالى انه كما أوحى الى الانبياء قبل محمد فقد اوحى اليه القرآن الكريم، وما كان محمد قبل ذلك يعلم ما هو القرآن وما الشرائع التي بها هدايةُ البشر وصلاحُهم في الدارَين. ثم خاطبه بهذه العبارة اللطيفة، {وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} .
ثم فسّر ذلك الصراطَ بقوله تعالى:{صِرَاطِ الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} خلقاً وتدبيراً وتصرفا. وفي الختام كل شيء ينتهي اليه، ويلتقي عنده، وهو يقضي فيها بأمره {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} .
وهكذا تنتهي هذه السورة الكريمة بالحديث الذي بدأت به عن الوحي، والذي كان محورها الرئيسي، وقد عالجت قصةَ الوحي منذ النبوّات الأولى، لتقرر وحدة الدين ووحدة الطريق، ولتعلن القيادةَ الجديدة للبشريّة ممثلة برسالة سيد الوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يتبعه من المؤمنين الصادقين، ليقودوا الناس الى صراط الله المستقيم.