مر بنا كثير من القصص الأمم السابقة، اختارها سبحانه وتعالى لينبه الناس الى ما فيها من العبر. وقد وردت هذه القصص مجملة مختصرة مثل قصص قوم نوح وعاد وثمود، وكانت العرب تتلقاها أباً عن جد، ومثل قصص ابراهيم وأنبياء بني اسرائيل، والتي كانت مألوفة لأسماعهم لمخالطتهم اليهود في قورن كثيرة.
وهنا يقص علينا القرآن خبر قوم لم يسمّهم ولم يَرِدْ فيهم خبر صحيح. وقد قال عدد من المفسرين ان هذا مثلٌ ضربه الله لا قصة واقعة. والمقصود منه تصحيح التصور عن الحياة والموت، وحقيقتهما الخافية، وردّ الأمر فيهما الى قدرة الله، والمضيّ في حمل التكاليف والواجبات.
روي عن ابن عباس ان الآية عُني بها قوم كثيرو العدد خرجوا من ديارهم فراراً من الجهاد فأماتهم الله، ثم أحياهم، وأمرهم ان يجاهدوا عدوهم. فكأن الآية ذُكرت ممهدةً للأمر بالقتال بعدها في قوله تعالى {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} . وعلى هذا يكون معناها: ألم تعلم يا محمد هذه القصة العجيبة؟ وهي حالة القوم الذين خرجوا من ديارهم فراراً من الجهاد خشية الموت، فقضى الله عليهم بالموت والهوان من أعدائهم. حتى إذا استبسلت بقيتهم وقامت بالجهاد أحيا الله جماعتهم به.
والخلاصة ان موت الأمة يكون بتسليط الأعداء عليها والتنكيل بها، جزاء تخاذلها وتفرقها كما هو حاصل للعرب اليوم. اما إحياؤها فيكون بفعلٍ جماعة مؤمنة من أبنائها تسترد قواها وتعيد لها ذلك المجد الضائع والشرف المسلوب. وهو أيضاً حاصل للعرب.