مخلَصا: بفتح اللام، مختارا. الطور: الجبل. وقرّبناه نجيّا: قربناه تقريب تشريف وتكريم، ونجيّاً: مناجيا ومكلِّما بلا واسطة. واجتبيناه: اصطفيناه.
اتلُ أيها الرسول على الناس ما في القرآن من قصة موسى، وما اتصف به من صفاتٍ حميدة، واذكُر أن الله أخلَصَه واصطفاه للنبوة والرسالة.
وكرّمناه فناديناه من الجانب الأيمن للطور في سيناء، وقرّبناه تقريب تشريف وتكريم، حين مناجاته لنا. فَقَرُب من ربّه وارتقت نفسُه حتى بلغت أقصى مناها. ثم إننا وهبنا له من رحمتِنا مؤازرةَ أخيه هارونَ نبيّا، ليعاونَه في تبليغ الرسالة.
وقد جاء في سورة طه {واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشدد بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي} . وقد استجاب له ربه فقال: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} .
قراءات:
قرأ الكوفيون الا ابا بكر: مخلصا بفتح اللام بمعنى اخلصه الله للنبوة. والباقون: مخلصا بكسر اللام بمعنى اخلص هو العبادة لله.
واتل عليهم أيها الرسول ما جاء في القرآن من قصة إسماعيل أبِ العرب، ومن أخصِّ صفاته صدقُ الوعد والوفاءُ به، حتى إنه وعد أباه بالصبر على الذبح ووفى به: {قَالَ ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين} [الصافات: ١٠٣] . فقداه الله وشرّفه بالرسالة والنبوة.
وكان اسماعيل يأمر أهلَه بالصلاةِ وإيتاء الزكاة، {وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} في جميع أعماله، محموداً فيما كلفه به، مستقيماً في أقواله وافعاله.
واتل أيها الرسولُ على الناس ما في القرآن من قصة إدريسَ إنه كان من الصدِّيقين ونبياً ذا مكانة عالية عند الله. وهذا معنى {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} أي رفعنا ذِكره في الملأِ، كما خاطب الله تعالى الرسول الكريم بقوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الانشراح: ٤] .
وقد نُسجت حول إدريس خرافات وأساطير، ونُسب إليه انه مصدر لجميع العلوم، واول من خطَّ بالقلم، وأولُ من بنى الهاكل ومجّد الله فيها، واول من نظر في علم الطب، وألَّف لأهلِ زمانه قصائد موزونة في الأشياءِ الأرضية والسماوية، وغير ذلك كثير جدا. وكلّها أخبار لم تؤيد بنقل صحيح، ولم يسنِدها نصٌّ قاطع، ومن أراد الاطّلاع عليها فعليه الرجوعُ الى كتاب: قصص الانبياء، للمرحوم عبد الوهاب النجار.
وبعد أن ذكَر الله تعالى هؤلاء الرسلَ الكرام وهم عَشَرة، وأثنى عليهم بما هو جديرٌ بهم، أردفَه بذِكر بعض ما جزاهم به من النعم. فقد هداهم إلى سُبل الخير واصطفاهم من سائر خلقه.
{أولئك الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين. . . .} .
بنعم الدنيا والآخرة من ذريّة آدم وذرية من نجّاه الله مع نوح في السفينة، ومن ذرية إبراهيمَ ويعقوب، وممَّن هديناهم إلى الحق، واخترناهم لإعراء كلمةِ الله. واذا تتلى عليهم آياتُنا خَرُّوا الله سجَّدا، وهم باكون خشية منه، وحَذَرا من عقابه. وهنا موضع سجدة عند قوله: خروا سجّدا وبُكِياً.