ليُثْبتوك: ليمنعوك من الحركة بالحبس وشد الوثاق. يمكرون: يدبرون لك أخبث الحيل. ويمكر الله: يُبطل مكرهم الأساطير: واحدها أُسطورة، وهي الخرافات والاحاديث القديمة. مُكاءً: تصفيراً بالفم. وتصدية: تصفيقا باليد.
في هذه الآيات الكريمة تصوير لموفق المشركين وهم يبيتون لرسول الله قبل الهجرة ويتآمرون عليه.
اذكر أيها الرسول نعمة الله عليك إذ يمكر بك المشركون للإيقاع بك، إما بالحبس الذي يمنعك من لقاء الناس ودعوتهم الى الإسلام، وإما بالقتل، وإما بأن يُخرجوك من مكة، يدبّرون لكم التدبير السيء، والله تعالى يُبطل مكرهم بأن يدبرّ لك الخروج من شرهم. وتدبيرُ الله هو الخير وهو الأقوى والغالب.
ولما قص الله علينا مكرهم في ذاتِ النبيّ عليه السلام قصّ علينا هنا مكرهم في دِين محمد فقال:
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا. . . .}
اذكر ايها النبي معاندة المشركين عندما كنتَ تقرأ عليهم آياتِ القرآن الكريم، وهي آياتنا، فيقولون جهلاً منهم وعناداً للحق: لو أردنا ان نقول مثل هذا القرآن لفعلْنا، ان هذا يشبه أساطير الأمم القديمة وخرافاتها.
وكان زعماء قريش كأبي جهل والوليد بن المغيرة والنضْر بن الحارث وغيرهم يتواصَون بالإعراض عن سماع القرآن ويمنعون الناس عنه. وكان النضر بن الحارث يحفظ كثيرا من أخبار الأمم القديمة كالفرس والهند واليهود، فكان يتتبع الرسول الكريم وكلّما سمعه يتلو القرآن، يجلس على إثره ويحدّث الناس بأخبار الملوك وقصص الفرس والهند ثم يقول: بالله أيّنا أحسن قصصنا؟ انا او محمد؟ .
ولقد أسره المقداد بن الأسودَ يوم بدر، وامر النبيُّ عليه الصلاة والسلام بقتله.
{وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} اذكر أيّها النبيّ كيف ذهبوا في الكفر والعناد الى ان قالوا، موجِّهين النداء الى ربهم: اللهمّ إن كان هذا القرآن وما يدعو اليه محمد هو الحقّ فاجعلْ السماء تمطر علينا حجارة، او أنزلْ علينا عذاباً شديدا.
وما كان من حكمة الله ورحمته ان يعذّبهم في الدنيا بعذاب شديد وانت فيهم تدعو الى الحقّ راجياً اجابتهم له، وما كان من شأنه ان يعذّب العصاة وهم يتسغفرونه، وسلمون ويرجعون عما هم فيه.
{وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله} .
وما لهم لايعذّبهم الله وحالُهم القائمة الآن تسوّغ تعذيبَهم، لأنهم يمنعون المسلمين من دخول المسجد الحرام، وما كانوا مستحقّين للولاية عليه لشرِكهم، وعملِ المفاسد فيه.
{إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ المتقون} أن أولياءه الحقيقيين هم المؤمنون الطائعون لله، ولكنّ أكثرَ المشرِكين لا يعلمون حقيقة الدين، ولا ماقم ذلك البيت الكريم.
{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} وما كانت صلاة المشركين وطوافهم في البيت الحرام إلا من قبيل اللهو واللعب، فكانوا يطوفون رجالاً ونساءً عراةً يصفرون بأفواههم ويصفّقون.
{فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} ذوقوا عذابَ القتلِ لبعض كُبرائكم والأسرِ للآخرين منهم، وانهزمَ الباقين مدحورين يوم بدرٍ بسببِ كفركم.
قال بعض العلماء ان الآيات من رقم ٣٠ الى ٣٦ مكيّة، وذلك لأنها تتحدث عن سورة الهجرة وما كان يجري بمكة من أفعالِ مشركي قريش، وهذا وهمٌ غير صحيح، اذ ان سورة الأنفال كلّها مدنية، اما ما جاء ي هذه الآيات فهو لتسلية الرسول الكريم، وللعِبرة والذكرى.