يدرأون: يدفعون عن انفسهم. جنات عدن: جنات الاقامة. لهم عقبى الدار: خاتمة مكانهم الجنة وهي سعادة الدنيا والآخرة.
{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى} .
لا يستوي المهتدي والضالُّ، فالّذي يعلم ان الوحَي حق، وإن اللهَ تعالى الذي اصطفاكَ أنزلَ إليك هذا الوحيَ- مهتدٍ وبصير، والذي كذّب وعاند فهو أعمى ضال.
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب} .
انما يؤمنُ ويعتبر بهذه الأمثال ويتّعظُ بها، أهلُ العقول السليمة التي تفكّر وتُبصِر.
ومن ثم بيّن أولي الألباب فقال:
{الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق} .
هؤلاء هم أولو الالبابِ، فهم الّذين آمنوا بربِّهم وعَقَدوا الميثاقَ بينّهم وبينَه على أن يقوموا بأوامره ويبتعدِوا عن كلِّ ما خالفَ الشرع، ولا ينقضون هذا العهد.
{والذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} .
ومن صفاتِ أولي الألباب: انهم يَصِلون الرَّحمَ ويُعاملون الأقاربَ بالمودَّةِ والحسنى ويُحسِنون الى الناس بقدْرِ ما يستطيعون، ويُعينون المحتاجَ، ويكونون في خدمة دينِهم وأُمّتهم ووطنهم، كل ذلك ضِمنَ خشية الله، ومخافةِ العقاب.
{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة أولئك لَهُمْ عقبى الدار} .
وكذلك من صفات أولي الألباب: أنهم ثَبَتوا على العهد، فصَبروا على أداء التكاليف والواجبات وصبروا في خِدمة الناس ما استطاعوا، لا يُريدون في ذلك كلِّه إلا وجه الله، وأدَّوا الصلاةَ أتمَّ أداء، وأنفقوا من أموالِهم وجاهِهم في سبيلِ الله في السرِّ والعلَن، ويقابلون الاساءةَ بالإحسان. {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} [الفرقان: ٦٣] .
{أولئك لَهُمْ عقبى الدار} .
هؤلاء الّذين تحلَّوا بكلَّ هذه الصفات هم أولو الألباب ولهم سعادةُ الدارَين.
{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار} .
أولئك الّذين وصفْناهم بتلكَ المحاسنِ لهم عقبى الدار: جناتُ عَدْنٍ للإقامة الدائمة والخلودِ، وفي هذه الجنات يأتَلِفُ شَمْلُهم مع الصالحين من آبائهم وأزواجِهم وذريّاتم، فيجتمع الأحبابُ ويتلاقون في جوٍ من السعادة، وترحِّبُ بهم الملائكة ويدخلون عليهم بالتحية والإكرام من كلّ باب قائلين لهم: {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار} .
{والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض أولئك لَهُمُ اللعنة وَلَهُمْ سواء الدار} .
بعد ان بين الله تعالى صفات المتقين، وما أعَدَّ لهم عندَه في دارِ الكرامة، بيَّن هنا حالَ المكذِّبين الجاحدين وما ينتظرُهم من العاب وأن مقرَّهم النارُ، فهذه الصفاتُ التي وصفَ بها أولئك الأشقياءَ هي السببُ في خُسرانهم. إنّهم الّذِين لا عهدٌ لهم ولا ميثاق، ولا إيمان، ولا يَصِلون أرحامهم، وليس لأحدٍ عندهم نفعٌ ولا رجاءٌ، يعيشون لأنفسِهم ولا يعلمون أن الدنيا أخذٌ وعطاء، ومع كلِ هذا فهم مفسدون في الأرض فلهم اللعنةُ وسوءُ العاقبة في جهنم.