الظهور: جمع ظهر وهو معروف. الذرية: سلالة الانسان من ذكور واناث.
بيّن الله هنا هداية بين آدم بنصْب الأدلّة في الكائنات، بعد ان بينها عن طريق الرسل والكتب، فقال: واذكر ايها النبيّ للناس حين أخرج ربُّك من أصلاب بني آدم ما يتوالدون قرنا بعد قرن، ثم نصب لهم دلائل روبيّته في الموجودات، وركّز فيهم عقولاً وبصائر يتمكّنون بها من معرفتها، والاستدلال بها على التوحيد والربوبية، فقال لهم: ألستُ بربكم؟ فقالوا: بلى انت ربنا شهِدنا بذلك على أنفِسنا. وإنما فعل الله هذا لئلا يقولوا يوم القيامة: إنّا كمنّا عن هذا التوحيد غافلين.
وقد اكثرَ المفسرون الكلام في تفسير هذه الآية وأوردوا عدداً من الاحاديث والأقوال، لكنه منا لصعب الوثوق بها، كما أنها غير صحيحة الإسناد.
وأحسنُ ما يقال: إن هذه الآية تعرِض قضية الفطرة في صورة مشهدٍ تمثيلي على طريقة القرآن الكريم. وإن مشهدّ الذرية المستكنّة في ظهور بني آدم قبل ان تظهر الى العالم المشهود لمشهدٌ فريد حتى في عالَم الغيب. وهذه الذرية هي التي يسألها الخالق المربي: ألستُ بربكم، فتعترف له بالربوبية وتقرّ له بالعبودية.
أما كيف كان هذا المشهد؟ وكيف أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدَهم على أنفسهم، وكيف خاطبهم- فكل هذه الأمور من المغيَّبات التي تخالف حياتنا الدنيا.
وأقربُ تفسير لأفهامنا ان هذا العهد الذي اخذه الله على ذرية بني آدم هو عهد الفطرة، فقد انشأهم مفطورين على الاعتراف له بالربوية وحده، كما جاء في الحديث الصحيح عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولَد على الفطرة فأبواه يهوّدانه او ينصرّانه او يمجّسِانه» اخرجه البخاري ومسلم.
وفي سورة [الروم الآية: ٣٠]{فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله}{أَوْ تقولوا إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا} .
او تقولوا إنما أشرَك آباؤنا من قبلنا. ولقد خرجنا إلى هذا الوجود فوجدنا آباءنا على دينِ فاتّبعنهم، فهل تؤاخذنا يا ربّ بما فعل السابقون من آبائنا، فتجعل عذابنا كعذابهم فلا حجّة لكم أبدا.