أتوكأ عليها: اعتمد عليها في المشي. أهشّ بها على غنمي: اخبط بها ورق الشجر لتأكله الغنم. مآرب: واحدها مأرب، ومأربة: الحاجة. سيرتها الأولى. تعود كما كانت عصا. جناحك: أصل الجناح للطائر، والمراد به هنا: الإبط والجانب. من غير سوء: من غير عاهة كالبرص. آية اخرى: معجزة اخرى. طغى: تجاوز الحد. واحلل عقدةً من لساني: كان في لسان موسى حبسة، وهو يسأل الله تعالى ان يطلق لسانه. يفقهوا قولي: يفهموه. وزيرا: معينا. وأشركه في أمري: اجعله شريكا لي في النبوة والرسالة. انك كنت بنا بصيرا: عالماً بأحوالنا.
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} .
وبينما موسى مستغرقٌ في لحظاتٍ ربَّانية، في نشوة روحانية مما سمع وما تلقّى، قد نسي نفسه وما جاء من اجله، كما نسيَ أهلَه وما هم فيه - إذا بنداءٍ قُدُسي وسؤال يلقى عليه: ماذا تحمل بيمينك يا موسى؛ واللهُ أعلمُ بما في يده. فقال موسى مجيبا: إنها عصايَ، أعتمدُ عليها في سَيري، وتوقفي، واسوق بها غنمي، وأضرب بها ورق الشجر ليسقط وتأكله الغنم، وليَ فيها حاجاتٌ ومنافع اخرى.
وبعد ان ذكر هذه الأجوبة أمره تعالى بإلقائها لتتبين لها فوائدُ لم يعرفها موسى من قبل.
{قَالَ أَلْقِهَا ياموسى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى} .
قال الله لموسى: إرمِ بها على الأرض، فألقها فإذا هي ثعبانٌ عظيم ينتقل من مكان الى مكان. وكانت مفاجأةً لموسى جعلتْه يهرب منها كما جاء في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل: ١٠] [القصص: ٣١] .
فلما خافَ منها طمأنَهُ الله وأمره بأخذِها وهي على حالها:
{قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} .
خذها بيمينك ولا تخف منها، إنا سنرجعها الى حالتها الأولى التي كانت عليها من قبل عصا.
{واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء آيَةً أخرى} .
أدخِل يدك في جيبك ثم أخرجْها تخرجْ بيضاءَ ناصعةً من غير مرضٍ كالبرص وغيره وذلك لأن موسى كان أسمر، وكان خروجُ يده بيضاء تتلألأ ويسطع منها النور - معجزةً ثانيةً جعلَها الله له بعد العصا. وذلك كله لترى يا موسى بعض معجزات الله الكبرى فتكون دليلاً لك أمام قومك على صِدقك في الرسالة.
وبعد ان زوّده بهذه المعجزات أمره بالذهاب الى فرعون الطاغية فقال:
{اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} .
اذهبْ الى الطاغية فرعون المتكبر، وادعُه الى الإيمان بالله الواحد الأحَد، فإنه تجاوز الحدَّ في كفره وطغيانه.
بعد هذا سأل موسى ربه بعض الأمور ليستعين على تبليغ رسالته فقال:
{قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لي أَمْرِي واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي. . . .} .
لقد طلب من ربّه أربعةَ أمور: أن يشرح له صدره فلا يغضبَ بسرعة حتى يؤدي رسالته، ويسهّل له امره بأن يُمده بالعون والتوفيق لأداء ما كلّفه به، وان يطلق حُبْسَة لسانه حتى يستطيع تبليغ رسالته، ويُفهم الناس ما يقول.