لا يسأمون: لا يملّون. خاشعة: هامدة لا حياة فيها. اهتزت: تحركت. وربتْ: زادت. الذين يلحِدون في آياتنا: ينحرفون عن القرآن الكريم. من بين يديه ومن خلفه: من جميع جهاته. حميد: محمود. في آذانهم وقرٌ: فيها صمم.
يبين الله في هذه الآيات الكريمة الدلائلَ على وجوده تعالى وقدرته وحكمته، ومنها الليلُ والنهار والشمس والقمر، ثم ينبّه الناس أن لا يسجدوا للشمس ولا القمر، بل ان يعبدوا الله وحده الذي خلق هذا الكون العجيب. (وهنا مكان سجود، اذا قرأ القارئ القرآن وبلغ هاتين الآيتين عليه ان يسجد) . فان استكبر هؤلاء المشركون الذي يعبدون غير الله عن السجود، فان الله لا يعبأ بهم، فعنده الملائكة يسبّحون له بالليل والنهار، لا يملّون من ذلك ولا يسأمون.
ثم بين بعد ذلك بآية أرضية تراها العين في كل حين، وهي حال الأرض: هامدة يابسة لا نبات فيها، تنتعش وتهتزُّ بعد ان ينزل المطر. . والذي أحياها هذه الحياة قادر على أن يحيي الموتى، {إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
ان الذين يميلون عن الحق ويُلحِدون في آياتنا نحن نعلمهم ولا يخفون عنا، ولهم جزاء كبير عند الله عبّرت عنه آيةُ:
{أَفَمَن يلقى فِي النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتي آمِناً يَوْمَ القيامة؟} انهم لا يستوون. وبعد ذلك هدّدهم الله وبين عاقبتهم بقوله {اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
لقد كفر هؤلاء الملحدون بالقرآن لمّا جاءهم، وإنه لكتابٌ عزيز يغلب كل من حاول ان يعارضه، لا يأتيه الباطل أبداً من اي ناحية من نواحيه، فهو {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ، حكيمٍ بتدبير شئون عباده، محمود على ما أسدى اليهم من النعم التي لا تحصى.
ثم بعد ذلك سلّى الله رسولَه الكريم عمَا يصيبه من أذى المشركين وطَعْنهم فيه وفي الكتاب العزيزن وحثَّه على الصبر، وان لا يضيق صدره بما يقولون، فقد قيل مثلُه للرسُل الذين جاؤا قبله، ومع كل ذلك {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} .
ثم أجاب عن شبهة قالوها، وهي: هلا نزل القرآن بلغة العَجَم؟ هذا ممع أنه لو نزل بلغة اعجمية لأنكروا ذلك ايضا، وقالوا ما لنا ولهذا؟
ثم قال لرسوله الكريم قل لهم: ان هذا القرآن هدى وشفاء للمؤمنين، اما الذين كفروا ولم يؤمنوا به، فكأنهم صمّ، وهو عليهم عَمًى فلا يبصرون حُججه ومحاسنه.
ثم مثّل حالهم، باعتبار عدم فهمهم له، بحال من ينادَى من مكان بعيد فهو لا يسمع من يناديه: {أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} .
قال اهل اللغة: تقول العرب للرجل الذي لا يفهم كلامك: أنت تنادَى من مكان بعيد، وللفهيم ثاقب الرأي: انك لتأخذ الأمور من مكان قريب.