المَثَلَ: الحال الغريبة. الامتراء: الشك. الابتهال: الملاعنة، ثم شاع استعماله في الدعاء.
«روي في سبب نزول هذه الآية ان وفد نجران وعلى رأسهم السيد العاقب قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك تشتم صاحبنا؟ قال: ما أقول؟ قالوا: هل رأيت إنساناً من غير أب، ان كنت صادقاً فأرنا مثله. فأنزل الله تعالى {ان مثَلل عيسى عند الله كمثل آدم} اي إن شأنه في خلق الله اياه على غير مثال سابقٍ كشأن آدم، فقد خلقه من تراب من غير أُمٍ ولا أب. بل ان خلْقَ آدم أغربُ وأعجب. ذلك ان الله قادر على صنع المعجزات اليت لا تدركها عقولنا، فهو اذا اراد شيئا إنما يقول له كن فيكون.
هذا هو الحق من ربك يا محمد في خلق عيسى، لا ما اعتقده النصارى من انه إلَه، ولا ما زعمه اليهود من انه ابن يوسف النجار. دعهم في ضلالهم، واثبُت على يقينك ولا تكن من الشاكّين. وإذا جادلك اليهود في شأن عيسى بعد هذا التنزيل فقل لهم: تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم ندعوا ان يصب الله لعنته على الكاذبين.
وقد روي أن النجرانيّين لما دُعوا الى المباهلة قالوا لسيّدهم العاقب: ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم نبوته، وها قد جاءكم بالفصل في أمر عيسى. والله ما باهلَ قوم نبياً الا هلكوا، فإن أبيتم أن تبقوا على دينكم فوادِعوا الرجل وانصرفوا.
فأتوا رسول الله محتضناً حفيده الحسين، والحسن وفاطمة وعليّ يشمرون خلفه وهو يقول لهم: أذا انا دعوت فأَمِّنوا فملا رآهم كبير النصارى قال لقومه: إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله تعالى ان يزيل جبلاً لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا» .
«وفي صحيح البخاري ومسلم ان العاقب والسيّد أتيا رسول الله فأراد ان يلاعنهما. فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه، فوالله لئن كان نبيا فلاعنَنا لا نفلح أبدا، فقالا له: نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلاً أمينا، فقال: قم يا أبا عبيدة، أنت أمين هذه الأمة» .
وفي هذا التحدي ما يدل على قوة يقين صاحبه ويقته بما يقول، اما امتناع نصارى نجران عن المباهلة فدليلٌ على شكّهم في موقفهم وكونهم على غير بينة فيما يعتقدون.