إفاضة الماء: صبه، ثم استعمل في الشيء الكثير ويقال (اعطاه غيضاً من فيض) أي قليلاً من كثير.
في هاتين الآيتين مشهد من مشاهد الآخرة بين أصحاب الجنة. فبعد ان بين الله تعالى مقال أهل الجنة لأهل النار، ومقال أصحاب الاعراف لأهل الجنة- ذكر كيف يستجدي أهلُ النار، بعد ان لفحتهم حرارةُ النار واشتد بهم الظمأ، من أهل الجنة ان يمنحوهم شيئا مما يتمتعون به من شارب وطعام: فينادونهم قائلين: أفِيضوا علينا بعض الماء، او أعطونا شيئاً من طيبات المأكل والملبس في الجنة فيجيبهم اهل الجنة: اننا لا نستطيع، لان الله تعالى حرّم ماء الجنة ورزقها على الكافرين، كما حرم عليهم دخولها.
وقد وصف أهلُ الجنة الكافرين بأنهم كانوا السببَ في ذلك الحرمان:
{الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} أي شَغَلتْهم بزخارفها، وكان دينهم اتّباعَ الهوى والشهوات. لقد ظنّوا أن الحياة الدنيا لا حياةَ غيرها، فعكفوا على الجانب الماديّ المظلم، وحرموا انفسهم من الجانب الروحي المشرق. هكذا عاشوا في ظلام المادّة وهم يحسبَون أنهم يُحسِنُون صنعا.
وكثيراً ما يضيف القرآن الكريم هذا الوصفَ الى الكفار ويعلن انه سبب نكبتم وسوء مصيرهم.
فاليوم نعاملهم معاملةَ الشيء المنسِيّ الذي يبحث عنه أحد لقد جَحَدوا بآيات الكون فلم تفتّح لها يعونُهم، ولم تتجه إلهيا قلوبُهم، وأعرضوا عن حكم الله وإرشاده. بذلك نسُوا لقاءَ يومهم هذا، فوقعوا فيما وقعوا فيه.