لا تخبسوا الناس: لا تنقصوهم حقوقهم. ولا تفسدوا: الافساد شامل لجميع الجرائم، والاصلاح: ضده بكل صراط: بكل طريق توعِدون: تخوفون وتهددون. تصدون: تمنعون.
شُعيب نبيُّ من أنبياء العرب، واسمه في التوراة رعوئيل، ومعناه: صديقُ الله وقد ذُكر شعيب في القرآن الكريم عشر مرات: في سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة الشعراء، وسورة العنكبوت. أما قومُه فهم شعب مَدْيَن بنِ إبراهيم عليه السلام، وكانت منازلهم في شمال الحجاز على الساحل.
وكان اهل مَدْيَن في عيشٍ رغيد لأنهم أهلُ تجارة. وكانوا يعبدون غير الله تعالى، ويفعلون الشرور، من ذلك أنهم كانوا يطفّفون المكيالَ والميزان، ويماكسون الناس في سِلعهم ليشتروها بأبخس الأسعار وكان شعيب ينهاهم عن كل ذلك ويحذّرهم بأسَ الله تعالى، فأنكروا عليه ما جاء به ولم يستمعوا اليه.
ويسمّيه المفسرون خطيبَ الأنبياء، لحُسن مراجعته لِقومه، وبراعته في اقامة الحجة عليهم. ومع ذلك فقد مضَوا في غَيّهم، وتمادَوا في صدّ الناس عنه.
{وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} .
ولقد أَرسلْنا إلى مَدْيَنَ أخاهم شعيباً قال: يا قوم، اعبُدوا الله وحده، قد جاءكم الحججُ المبينةُ لحقِّ من ركمن ممثْبِتَةً رسالتي إليكم. (ولم تذكر الآية ما هي معجزته ولم يأتِ لها ذِكر في بقية السُوَر التي ذُكرت فيها قصةُ شعيب) غير أنه كانت هناك بينّة جاءهم بها، ودعاهم الى توحيد الله كما أمَرَهم بالإصلاح بينهم بالمعاملة العادلة.
{فَأَوْفُواْ الكيل والميزان وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ} .
لقد أمرهم بإيفاء الكيلِ والميزان إذا باعوا، ونهاهم عن ان يُنقِصوا حقوق الناس اذا اشتروا منهم. وطلب إليهم ألا يفسِدوا في الأرض الصالحة، كإفساد الزع وقطْع الأرحام والمودّة.
{وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} .
لا تعرضوا كل طريقٍ من طرق الحق والهداية، تهدّون سالكه، وتمنعون طالبي الخير من الوصول.
{وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً} تريدون سلوك الطريق المعوَجّ. تذكَّروا اذ كنتم قليلا فكثّركم الله بما بارك في نَسِلكم، واشكُروا له ذلك بعبادته وحدَه، واعتبِروا بعاقبة المفسِدين قبلكم، وإلا أصابكم مثلُ ما أصابهم.
{وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مَّنكُمْ آمَنُواْ} .
واذا كانت طائفة منكم قد آمنت بالحق الذي ارسلتُ به فيما لم تؤمن طائفة ثانية فانتظروا حتى يحكُم الله بين الفريقين. إنه خير من يفصل، وأَعدلُ من يقضي وهو خير الحاكمين.
انتهى الجزء الثامن، نسأل الله تعالى ان يوفقنا إلى ما فيه رضاه، وإلى أن يُتِمّ هذا التفسير على أحسن حال، الهَّم اجعلنا ممن يستمعونَ القولَ فيتبعون أحسنَه.