المائدة: خِوان الطعام، او الطعام نفسه. العيد: الفرح والسرور، او الموسم الديني الذي يجتمع الناس له في أيام معينة من السنة. آية منك: علامة.
لا يزال الكلام عن سيدنا عيسى وأُمه، وهذا عرضٌ لشيء من نعمة الله على قومه، ومن معجزاته التي أيّده الله بها وشهد بها الحواريون، وعدد كبير من قومه.
اذا قال الحواريون: يا عيسى: هل يجيبك ربك لو سألته أن يُنزل علينا مائدة من السماء؟ فأجابهم: يا قوم، خافوا الله من أمثال هذا السؤال ان كنتم تؤمنون به، ولا تطلبوا حُججاً غير التي قدمتها لكم.
قالوا: نريد أن نأكل من هذه المائدة. عند ذلك تطمئن قلوبنا بما نؤمن به من قدرة الله، ونعلم بالمشاهدة الحيّة انك قد صَدَقتنا فيما أخبرتنا عنه، ونشهد لك بالمعجزة عند قومنا.
فاستجاب لهم عيسى وقال: يا ربّنا ومالِكَ أمرِنا، أَنزلْ علينا مائدة من السماء يكون يوم نزولها عيداً للمؤمنين منا، ولتكون معجزة نؤيّد بها دعوتك، وارزُقنا رزقاً طيبا، وانت خير الرازقين.
قال الله تعالى: سأُنزل المائدة علكيم من السماء، فأيّ امرىء منكم يكفر بعد ذلك فسوف أعاقبه عقاباً لا أعاقِب بمثله احدا من الناس. . فلقد كفر بعد ما شاهد دليل الإيمان الذي اقترحه.
وبين لنا هذا الحوار بين المسيح والحواريّين، ذلك الفرق الكبير بين الحواريّين وأصحابِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فلقد شاهد الحواريون كذلك من المعجزات التي اظهرها الله على يد رسولهم، ومع ذلك فهاهم يطلبون معجزة جديدة لتطمئن نفوسهم. اما أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فإنهم لم يطلبوا أية معجزة بعد اسلامهم. . لقد اطمأنت قلوبهم مذ خالطتها بشاشة الايمان، وصدّقوا رسولهم، ومضوا في سبيل الله يعملون في نشر الاسلام، ولم يطلبوا على ذلك دليلا.
ولقد تكلم المفسرون كثيراً في موضوع المائدة، هل نزلت فعلاً ام ورد ذلك لضرب المثل، كما تكلم بعضهم في ألوان طعامها، وأطلقوا لخيالهم العنان في كل ذلك. ونحن لا نرى فائدة في ذكر كل ذلك، بل نضرب عنه صفحا، ولكنّنا نشير الى أنه قد ورد عن الحسن البصري، ومجاهد المفسّر الكبير وقَتادة أحد كبار المحدّثين انها لم تنزل. وقالوا في تأويل قوله تعالى {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ. . .} الى آخر الآية. إن الحواريّين لمّا سمعوا هذا الوعيد قالوا: إننا نستغفر الله ولا نريدها.
هذا وقد استدل بعض الكاتبين على عدم نزولها بأن قال: إن النصارى لا يعرفونها وليس لها ذكر في كتبهم. ونحن نقول: إن كتب النصارى التي بين أيديهم كتب ناقصة، فليست هي كل ما جاء به عيسى. اما الاناجيل الاربعة المتداولة فلا تعدو كونها تراجم سيرةٍ لحياة المسيح كتبها أُناس مجهولين بعد المسيح بمدة طويلة.