يبين لنا الله تعالى هنا في هذه القصة، كما في معظمم الآيات المتعلقة باليهود، نفسية بني إسرائيل وتعنتهم. فبعد موسى اجتمع أهل الرأي فيهم الى نبي لهم لم يسمّه القرآن وطلبوا اليه ان ينصّب علهيم ملكاً ليقاتلوا تحت رايته. فقال لهم نبيهم وقد أراد ان يستوثق من صدق عزيمتهم: الا يُنتظر منكم ان تجبُنوا عن القتال اذا فرض عليكم؟ فأنكروا ان يقع ذلك منهم قائلين: وكيف لا نقاتل لاسترداد حقوقنا وقد أخرجَنا العدوّ من أوطاننا، وتركْنا أهلنا وأولادنا! فلما أجاب الله رغبتهم وفرض عليهم القتال أعرضوا عنه وتخلّفوا، الا جماعة قليلة منهم.
وكان إعراضهم وتخلفهم هذا ظلماً منهم لأنفسهم ونبيِّهم ودينهم، والله عليم بالظالمين.
وقال لهم نبيّهم: ان الله استجاب لكم فاختار طالوت ملكاً عليكم. فاعترض كبراؤهم على اختيار الله قائلين: كيف يكون طالوت ملكاً علينا ونحن أولى منه! انه ليس بذي نسب، فليس هو من سلالة الملوك ولا النبوة، وليس له مال. وهذا هو مقياس الأولوية عندهم.
فردّ عليهم نبيهم قائلا: ان الله اصطفاه من بينكم لأن فيه صفات ومزايا أهمَّ من المال والنسب. وهي السعة في العلم، للتدبير وحسن القيادة، والخبرة بشؤون الحرب وسياسة الحكم، مع قوة الجسم. السلطانُ بيد الله يعطيه من يشاء من عباده ولا يعتمد على وراثة أو مال، والله واسع عليم.