الحِذر والحَذَر: الاحتراس والاستعداد لأتقاء شر العدو. ثُبات: جماعات، جمع ثُبة. انفروا: اخرجوا للجهاد. بَطَّأ: تأخر، او حمل غيره على التأخير.
في هذه الآيات والتي تليها يرسم لنا سبحانه الهيئة الحربية التي يجب ان نتحلّى بها. ومن أهّمِ خططها الحذرُ والاستعداد واستكمال العدة، وهو ينبّهنا الى الحذر ممن يدّعون أنهم مسلمون وما هم كذلك، وانماهم ضعاف الإيمان لم يرسخ الايمان في قلوبهم بعد.
يا أيها الذين آمنوا كونوا على حذَر دائماً من أعدائكم، واحترسوا واستعدّوا وخذوا الأُهبة لاتقاء شر العدو، واخرجوا للقتال جماعاتٍ متتابعة او اخرجوا جميعا. وهنذه كلّها مبادىء حربية عامة، فهي ثابتة لعموميتها. اما الخاص فإنه يتحور ويتغير.
وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام دائم الحذر، له عيون وجواسيس في أرض العدو، كي يظل على علم تام بأرض عدوه وتحركاته. اما نحن اليوم فإننا نائمون عن عدّونا وهو منتبه متيقظ، جواسيسه منتشرة بيننا، ويسخّر من من تتفق مصالحه مع مصالحهم طمعاً في المنصب او الثروة.
لقد استعدّ عدُّونا استعداداً كاملاً وأخذ حذره التام، ونحن غير مستعدين، ولا أرى عندنا اي عزم على القتال، وكل همنا ان نتباهى بالمظاهر الجوفاء من العظمة التافهة، وفي سبيلها يهدم بضعنا بعضا، ويكيد بعضُنا لبعض، مدّعياً الحفاظ على مصلحة الأمة زوراً وبُهتاناً، ومسخّراً في خدمته كل مرتزق وحقير.
{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ}
ان بينكم من يتثاقل ويتأخر عن الجهاد، فاحذَروا هؤلاء المثبِّطين والعوِّقين ونقّوا صفوفكم منهم. وهذا لعمري اليومَ أكبر داءٍ بيننا وفي صفوفنا يخذّلون، طمعاً في بقاء منصب او استدرار مال.
وكان حال أمثال هؤلاء في الماضي أ، هم إذا أصاب المسلمين نكبةٌ في الجهاد، قالوا شامتين: قد أنعم الله علينا إذ لم نكن معهم ولم نشهد القتال، وقد سلّمنا الله من هذه المصيبة. أما إذا منّ الله عليكم بالنصر والغنائم، فإنهم يقولون متحسّرين: ياليتنا كنّا معهم في القتال فنفوز بعظيم الغنائم. وهم بقولهم هذا لم يُبقوا لهم بكُم رابطة، فقد خسروا الدنيا والآخرة.