بعد أن نفى الله الغلول والخيانة عن النبي الكريم على أبلغ وجه أكد بذلك بهذه الآية فأبان نه قد تفضل على المؤمنين بأن يبعث فيهم رسولا منهم، وُلد في بلدهم فعرفوه حق المعرفة ولم يروا فيه طوال حياته الا الصدق والأمانة حتى فاز بلقب محمد الأمين. وقد جاء هذا الرسول يتلو عليهم آيات الله الدالة على القدرة والوحدانية، ويوجه النفوس الى الاستفادة منها والاعتبار بها.
ها كما جاء محمد ليزكّيهم، أي يطهّرهم من العقائد الزائفة، ويطهر بيوتهم وأعرضهم ومجتمعهم من دنس الجاهلية وشِركها. كذلك جاء يعلّمهم القرآن والكتابة والقراءاة بعد ان كانوا أُميّين ضالين.
«وعلى أية حال، فقد تضمنت هذه الآية الأمور التالية:
٠١ ان الرسول احسان من الله الى الخلق، لأن الرسول ينقلهم من الجهل الى العلم، ومن المذلَة الى الكرامة، ومن معصية الله وعقابه الى عطاعته وثوابه.
٠٢ ان هذا الاحسان قد تضاعف على العرب بالخصوص لأن محمداً (صلى الله عليه وسلم) منهم، يباهون به جميع الأمم.
٠٣ انه يتلو عليهم آيات الله الدالة على وحدانيته، وقدرته وعلمه وحمكته.
٠٤ انه يطهّرهم من أرجاس الشرك والوثنية، ومن الاساطير والخرافات والتقاليد الضارة، والعادات القبيحة.
٠٥ يعلّمهم الكتاب أي القرآن الذي جَمَعَ كلمتهم، وحفظ لغتهم، وحثّهم على العلم ومكارم الأخلاق، ويعلمهم الرسول أيضاً الحكمة، وهي وضع الأشياء في مواضعها، وقيل: ان المراد بها هنا الفقه. .»
يقول جعفر بن أبي طالب الصاحبي الجليل مخاطباً النجاشي عندما لجأ اليه المسلمون في أول بدء الدعوة:«أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف، حتى بعث الله الينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه. فدعانا الى الله وحده لنوحّده، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرَرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصِلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل ما اليتيم، وقذف االمحصنات، وأمرنا ان نعبد الله ولا نشرك به شيئاً وأمرَنا بالصلاة والزكاة والصيام» .