للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتحريم الربا الذي جاء في القرآن الكريم، تنظيم اقتصادي عظيم:، وهو يتفق مع قياس ما قرره الفلاسفة في الماضي وما انتهت اليه النظم الاقتصادية الحديثة. فأرسطو يقرر ان الكسب بالفائدة نظام غير طبيعي، فالنقد لا يلد النقد.

والاقتصاديون يقررون أن يطرق الكسب أربَع: ثلاثٌ منها منتجة والرابعة غير منتجة. فالثلاث المنتجة: العمل ويتبعه الصناعة؛ والزراعة؛ والمخاطرة في التجارة. . لأنها في نقل الأشياء من مكان انتاجها الى مكان استهلاكها تتعرض لمخاطر، وتزيد قيمتها بهذا الانتقال. وذلك في ذاته انتقال. وذلك في ذاته انتاج. أما الرابعة فهي الفائدة أو الربا، وهذه المخاطرة فيها، لأن القرض لا يتعرض للخسارة، بل له الكسب دائما؛ ولأنه لا انتاج الا لِعملِ المقترض، فالفائدة نتيجةٌ لذلك، هذا كما ان اباحة الكسب بالفائدة تؤدي الى تحكم رؤوس الأموال في العمل. وهذا غير سليم.

وتذكر الآية ان الذين يتعاملون بالربا لا يقومون يوم القيامة من قبورهم كبقية الناس وانما كالمجنون الذي اصابه مسّ من الشيطان فهو يتخبط بفعل الصرع. ولماذا؟ لأنهم ستحلّوا أكل الربا وقالوا لا فرق بين البيع والربا، فكما يجوز بيع السلعة التي ثمنها عشرة دراهم نقدا بعشرين درهما بأجل، يجوز أن يعطي الانسان أحد المحتاجين عشرة دراهم على أن يردها بعد أجلٍ، والسبب في كل من الزيادتين واحد هو الأجل. تلك حجتهم. وهم واهمون فيما قالوا، وقياسهم فاسد. فالله أحلّ الأرباح في الشراء البيع وحرّم الربا. ذلك ان البيع ملاحَظ فيه دائما انتفاع المشتري بالسلعة انتفاعاً حقيقاً، اما الربا فهو اعطاء الدراهم ثم أخذُها بدون مخاطرة ولا تعب، كما ان الكسب فيها مضمون دائما بخلاف التجارة والعمل.

{فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فانتهى فَلَهُ مَا سَلَفَ} .

أي: فمن بلغه تحريم الله الربا فتركه فورا، فله ما كان قد أخذه من الربا فيما تقدم لا يكلَّف بردِّهِ الى من دفعوه، وانما عليه ألا يأخذ ربا بعد ذلك. . ان أمره موكول الى الله يحكم فيه بعدله وعفوه. ما من عاد الى أكل الربا بعد تحريمه فأولئك الذين لم يتعظوا بموعظة من ربهم، فهم أصحاب النار هم فيها خالدون.

ان الله تعالى يُذهب الربا ويهلك المال الذي يدخل فيه، لكنّه يضاعف ثواب الصدقات ويبارك في المال الذي خرجت منه الصدقة.

والله لا يحب لك من تمادى في إنكار ما أنعم الله به عليه من المال، كأن لا ينفق منه في سبيله، ولا يواسي المحتاجين من عباده.

والأثيم: هو المنهمك في ارتكاب الذنوب والمحرمات، فهو قد جعل ماله آلة لجذب ما في أيدي الناس الى يده فاستغلّ إعسارهم وأخذ أقواتهم وامتص دماءهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>