للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انظر ما وقع لآدم وما كان منه، وسنّة الله لا تتبدل.

وقد استقر أمر البشر على ان سعادتهم في اتّباع الهداية الإلَهية، وشقاءهم في الانحراف عن سبلها.

والجننة المرادة هنا أمرٌ اختلف فيها المفسرون. فقال بعضهم انها جنة الخُلد، اي دار الثواب التي اعدها الله للمؤمنين يوم القيامة. قال ابن تيمية «وهذا قول أهل السنّة والجماعة، ومن قال غير ذلك فهو من الملحِدة» ، ولا أدري كيف يجرؤ غفر الله له على هذا القول ويجعل من قال به ملحِدا، وعلى رأس القائلين بذلك إمامان جليلات هما ابو حنيفة والماتريدي وكثيرون غيرهم.

وقال كثيرون ان تلك الجنةى بستان في الأرض وليست هي جنة الخلد. وعلى هَذا جرى أبو حنيفة وتبعه أبو منصور الماتريدي في تفسيره حيث قال: «نحن نعتقد ان هذه الجنة بستان من البساتين، كان آدم وزوجته منعمين فيها وليس علينا تعيينها ولا البحث عن مكانها» .

وقال الأولي في تفسيره: روح المعاني، «ومما يؤيد هذا الرأي:

٠١ ان الله خلق آدم في الارض ليكن خليفة فيها هو وذريته.

٠٢ انه تعالى لم يذكر أنه بعد خلْق آدم في الارض عرج به الى السماء، ولو حصل لذُكر، لأنه أمر عظيم.

٠٣ ان الجنة الموعود بها لا يدخلها إلاَّ المتقون المؤمنون، فكيف دخلها الشيطان الكافر للوسوسة!

٠٤ انها دار للنعيم والراحة، لا دار تكليف وقد كُلف آدم وزوجه ألا يأكلا من الشجرة.

٠٥ أنه لا يُمنع من في الجنة من التمتع بما يريد منها.

٠٦ انه لا يقع فيها العصيان والمخالفة لأنها دار طهر، ولا دار رجس.

وعلى الجملة، فالأوصاف التي وصفت بها الجنة الموعود بها لا تنطبق على هذه الجنة التي سكنها آدم وطرد منها. . . .» .

اما الشجرة التي نُهي آدم وزجته ان يأكلا منها فلم يبيّن الله في كتابه نوعها، ولم يَرد في السنّة الصحيحة تعيينها، فلا نستطيع ان نعيّنها من تلقاء أنفسنا بلا دليل قاطع.

وقال الاستاذ العقاد في كتابه: المرأة في القرآن «ان قصة الشجرة الممنوعة التي أكل منها آدم وحواء هي الصورة الانسانية لوسائل الذكَر والأنثى في الصلة الجنيسة بين عامة الأحياء، الرجل يريد ويطلب، والمرأة تتصدى وتغري. وتتمثل في القصة بداهة النوع في موضعها، أي حيث ينبغي ان تتمثل أول علاقة بين اثنين من نوع الانسان. وقد وردت القصة في القرآن في ثلاثة مواضع، ووردت في الاصحاح الثالث من سِفر التكوين. وفي الاصحاح الحادي عشر من العهد الجديد في كتاب كورنثوس الثاني، والاصحاح الثاني في تيموثاوس.

وهي تعبّر برموزها السهلة عن بداهة النوع المتأصلة في ادراكه للمقابلة بين الجنسين، وعن دور اكل منهما في موقفه من الجنس الآخر، على الوجه الوحيد الذي تتم به ارادة النوع، والمحفاظة على بقائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>