ويحيط بالأرض غلاف جوي خليط من الغازات التي تحتفظ بخاصائصها، وأقربُ طبقات الارض الى سحطها تسمى تروبوسفير، وهي تمتد الى ارتفاع ثمانية كليو مترات عند القطبين والى ١١ كم في خطوط العرض الوسطى، و١٢ كم عند خط الاستواء. وفي هذه الطبقة يحدث خلط مستمر للهواء نتيجة للتيارات الصاعدة والهابطة. . . . وتتركب الغلاف الجوي من الأزوت والأوكسجين، والأرغون، وثاني أوكسيد الكربون، وكميات ضئيلة من غازات النيون والكريتون والهيليوم والأيدروجين والكسينون والأوزون، بالاضافة الى كميات متغيرة من بخار الماء والغبار. ولكل هذه المواد نسب معينة محددة لا تزيد ولا تنقص.
ولو كان الغلاف الجوي للأرض ألطف مما عليه الآن، لاخترقت النيازك الغلاف الخارجي منه كل يوم، ولرأينا هذه النيازك مضيئة في الليل، ولقسطت على كل بقعة من الارض وأحرقتها. فولا ان غلاف الارض الهوائي يقينا من هذه الشهب لأحرقتنا. ذلك ان سرعتها أكبر من سرعة طلقة البندقية بتسعين مرة، كما ان حرارتها الشديدة كافية لإهلاك كل ما على سطح الأرض.
والآن. ألا يدل على التوازن الدقيق العجيب جداً على قدرة الخالق وبديع صنعه! الحق أنه لم يكن صدفة، ولا وُجد عفوا كما يقول المبطلون الجاهلون.
لكن، من يدرك ذلك؟ إنهم أولوا الألباب، فهم الذين ينظرون إليه ثم يستحضرون في نفوسهم عظمة الله وجلاله. ومن ثم تجدهم لا يغفلون عنه تعالى في جميع أحوالهم: قائمين، وقاعدين، وعلى جنوبهم. وهم يتفكرون في خلق السماوات والارض، وما فيها من عجائب ثم يقولون: ربنا ما خلقتَ كل هذا الكون العجيب عبثا، بل وِفق حكمة قدّرتَها، إنك أنت العزيز الحكيم.
وفي هذا تعليم للمؤمنين كيف يخاطبون ربهم عندما يهتدون إلى شيء من معاني إحسانه وكرمه في بدائع خلقه، فوفّقنا يا ربُّ بعنايتك الى العمل الصالح حتى يكن ذلك وقاية لنا من عذاب النار.
ثم إنهم يضرعون الى ربهم قائلين: يا ربنا وخالقنا، إن من يستحق النار باعماله السيئة سيلقاها، وبذلك تكون قد أخزيته وأظهرتَ فضيحته. وليس للظالمين الذين استحقوا النار أنصار يحمونهم يوم القيامة من دخول النار.
ثم يتّجهون بقلوب خاشعة تطلب المغفرة الواسعمة، والوفاةَ مع الأبرار فيبتهلون: يا ربنا، إننا سمعنا رسولك الكريم يدعو الى الإيمان بك، فأطعناه وآمنّا، فاغفر بنا ذنوبنا كبيرها وصغيرها، وكفّر عنا سيئاتنا واجعلنا في الآخرة من عبادك الأخيار. أعطنا يا ربُّ ما وعدتنا على ألسنة رُسلك الكرام من حسن الجزاء في الدنيا كالنصر والتأييد، ومن النعيم في الآخرة. لا تفضحنا يا ربّ ولا تهتك سترنا يوم القيامة، انك لاتخلِف ما وعد به جزاء الإيمان وصالح الأعمال.
ولقد استجاب لهم ربهم طلبهم بعد تلك المناجاة اللطيفة، والدعاء الخالص، فطمأنهم الى انه لا يُضيع ثواب عامل، ذكراً ك ان أم أنثى، فكلّهم سواء في الانسانية.
وفي هذه الآية نصٌّ على ان الذكر والأثنى متساويان عند الله ولا تفاضل بينهما الا بالأعمال.
بعد ذلك ينتقل البحث الى المهاجرين من مكّة، فالذين هاجروا يريدون وجه الله، أو أُخرجوا من ديارهم وناهلم الأذى في سبيل الله، وقاتلوا وتعرضوا للقتل قد كتب الله على نفسه ان سيمحو عنهم سيئاتهم، ويُدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار. والله وحده عنده الثواب الجميل.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي «وقتلوا واقاتلوا» ، وقرأ ابن كثير وابن عامرم «وقتلوا» بتشديد التاء.