للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعدا علينا قومُنا فعذّبونا، وفتنونا عن ديننا لنرتدّ الى عبادة الأوثان. . . فلمّا قهرونا وضيقوا علينا، خرجنا الى بلادك، ورغبنا في جوارك.

فقال النجاشي: هل معك مما جاء به من الله من شيء؟ قال جعفر: نعم أول سورة مريم. قالت أم سلمة: فبكى والله النجاشي، حتى اخضلّت لحيته. وبكت اساقفته حين سمعوا ما تلا جعفر. ثم قال النجاشي: ان هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة. إنطلِقا، فوالله لا أسلّمهم إليكما. الخ القصة.

فهذه القصة من أسباب نزول هذه الآيات. فبعد أن حاجّ اللهُ تعالى أهل الكتاب، وذكر مخالفتهم لكتبهم وأنبيائهم، وانهم اتخذوا الاسلام هزواً ولعبا، وبلغت الجرأة باليهود ان يتطالوا على الله بقولهم {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} ، وان النصارى اعتقدوا بأن المسيح ابن الله ذكر هنا احولهم في عداوتهم للمؤمنين، أو محبتهم لهم. ومقدار تلك العداوة أو المحبة:

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ اليهود والذين أَشْرَكُواْ}

قسَمَاً أيها الرسول لسوف تجد أشد الناس عداوة لك وللمؤمنين معك، اليهودَ المشركين من عبدة الاصنام. وقد وقع ذلك. فإن أشد إيذاء واجهه النبي عليه السلام إنما كان من اليهود في المدينة وما حولها، ومن مشركي العرب، ولا سيما قريش.

ويشترك اليهود والمشركون في بعض الصفات والاخلاق، كالتكبّر والغرور، وحب المادّة، والقسوة. والمعروف عن اليهود انهم يعتبرون كل من عداهم لا حرمة له ولا قيمة، فكل مَن كان غير يهودي مباح لهم دمه وماله وعرضه، هذا مقرَّر في تملودهم.

{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الذين قالوا إِنَّا نصارى}

أما أقرب الناس محبة للذين آمنوا بك وصدّقوك فهم النصارى. رأى النبي من نصارى الحبشة أحسن المودة. ولما أرسل كتبه الى الملوك ورؤساء الدول كان النصارى منهم أحسنَ ردا، واستقبالاً للرسل. والواقع ان مودة النصارى للمسلمين في عصر النبي الكريم كانت ظاهرة ملموسة.

{ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً. . .}

وسببُ تلك المودّة أن فيهم قسيسين يعلّمون دينهم، ورهبانا يخشون ربهم. هذا كما أنهم لا يستكبرون عن سماع الحق واتّباعه. وفيهم من إذا سمعوا القرآن وتأثروا به، فتفيض اعينهم بالدمع. انهم يعرفون ان ما سمعوه حق، فتميل اليه قلوبهم وتنطلق ألسنتهم بالدعاء الى الله قائلين: رنبا آمنا بك وبرسُلك، وبالحق الذي انزلته عليهم، فتقبّل منا إيماننا، واجلعنا مع الشاهدين من أمة محمد الذين جعلتهم حجة على الناس يوم القيامة. وأي مانع يمنعنا من الايمان بالله، وتصديق ما جاء على محمد ونحن نرجو ان يُدخلنا ربنا الجنةَ مع خبرة عباده!!

لذا كتب الله لهم ثواباً، جنات تجريى من تحتها الانهار، خالدون فيها الى الأبد.

هذا جزاء المحسنين من ربهم. اما عقاب المسيئين الى انفسهم بالكفر والجحود والتكذيب، اي: {والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} فهو الجحيم. انهم أهل النار، وسيبقون في العذاب الشديد الدائم.

<<  <  ج: ص:  >  >>