ولم يكتفِ بذلك بل قال: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} . زيادة في التعذيب والإيلام، وتشهيرا بهم. ولاجعلنكم مُثْلَةً يتعجّب منها الناس.
ثم يزيد استعلاء بقوته وجبروته فيقول: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى} .
وسوف ترون من هو الذي يكون أشدَّ عذاباً، انا، أم آله موسى وهارون؟
لم يكن يعلم أنه فاتَ الاوان، وان الإيمان قد بلغ ذِروتَه في قلوبهم، وهانت عليهم نفوسُهم في الله، فلن يأبهوا لوعيده وتهديده، فأجابوه مطمئين:
{قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَآءَنَا مِنَ البينات والذي فَطَرَنَا} .
اراد فرعون من السحرة ان يرجعوا عن إيمانهم، فثبتوا عليه، ودفعوا تهديده بقولهم: لن نختارك على ما جاءنا من الهدى، وعلى خالِقنا الذي فطرنا وانشأَنا من العدم.
{فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ. . .}
افعل ما تريد، إن سلطانك وحكمك لا يتجاوز هذه الحياة الدنيا.
آمنّ بربنا الحق، ليغفرَ لنا ما سلف من الخطايا، وعن ممارسة السحر الذي أكرهَتنا على تعلُّمه والعملش به.
{والله خَيْرٌ وأبقى}
خيرٌ منك يا فرعون ومن ثوابك، وأبقى منك سلطانا وقدرة.
ثم ختم السحرة كلامهم بهذه الآيات التي تبيّن حال المجرمين، وحال المؤمنين يوم القيامة وم ينتظر كلاً منهم.
{إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى} .
إن من يلقى الله وهو مجرم بكفره يكون مصيره الى جهنم لا يموت فيها فينتهي عذابه، ولا يحيى حياة طيبة ينتفع فيها بالنعيم.
{وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصالحات فأولئك لَهُمُ الدرجات العلى} .
أما من يلاقي ربه على الإيمان وصالح الاعمال، فله المنازل الرفيعة، والدرجاتُ العالية.
ثم فسر تلك المنازل والدرجات بقوله:
{جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وذلك جَزَآءُ مَن تزكى} .
تلك المنازل هي جنات الاقامة الدائمة، في نعيمٍ خالد، تجري بين اشجارها الأنهار، وذلك الفوز الذي أوتوه جزاءٌ لمن طهّر نفسه من الكفر بالايمان الطاعة والاعمال الصالحة.
قراءات:
قرأ حفص: تلقفْ بفتح القاف وسكون الفاء. وقرأ ابن عامر: تلقّفُ: بتشديد القاف ورفع الفاء. والباقون: تلقف: بتشديد القاف وسكون الفاء. وقرأ حمزة: كيد سحر. والباقون كيد ساحر. قرأ حفص وابن كثير وورش: أمنتم، فعل ماض على انه خبر. وقرأ الباقون: أآمنتم بهمزتين.