«وبعد وصولهم الى المدينة، بدأ الناس يتهامسون: ما بالُ عائشة تأخرتْ عن الجيش، وجاءت مع صفوان على بعيره، وصفوان شاب وسيم الطلعة مكتمل القوة! وقاد هذه الحركة وتولّى كِبرها رأسُ المنافقين عبدُ الله بن أبَيّ وبعض المؤمنين سيأتي ذكرهم وعددٌ من المنافقين.
وبلغ النبيَّ الخبرُ، واضطرب له. وبعد مدة بلغ السيدة عائشةَ الخبر. وهاج الناس وماجوا واضطربت المدينة لهذا الخبر، وبقيتْ كذلك مدة شهر إلى ان نزلت هذه الآيات تبرىء السيدة عائشة وتحسم الموضوع حسماً كاملا.
ان الذين اتهموا عائشةَ أمَّ المؤمنين بالزنا هم جماعة من كبار الكذّابين المفترين، وهم من المنافقين الموجودين بينكم، لا تظنوا هذه الحاديثة شراً لكم بل هي خير لكم، لأنها ميزت المنافقين من المؤمنين، واظهرت كرامة المبَّرئين منها، ولكل امرىء منهم جزاؤه على مقدار اشتراكه في هذه الجريمة.
{تولى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
ورأسُ الكفر والمنافقين عبدُ الله بن أبيّ هو الذي قاد هذه الحركة وتولى معظمها - له يوم القيامة عذابٌ عظيم. وقد انساق معه بعض المؤمنين منهم حسّان بن ثابت ومِسطَح بن اثاثة وهو أقارب ابي بكر الصديق، وحمنة بنتُ جحش أختُ زينب أم المؤمنين. ولما نزلت آية البراءة أمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بجَلْدِهم.
{لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هاذآ إِفْكٌ مُّبِينٌ} .
كان مقتضى الإيمان ان تظنوا بمن اتُّهم خيرا عند سماعِ هذه التهمة، وكان عليكم ان تقولوا هذا كذبٌ واضح لا يصدَّق.
ثم علل لسحبانه كذب الآفكين ووبخهم على ما اختلقوه واذاعوه فقال:
{لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فأولئك عِندَ الله هُمُ الكاذبون}
هلاّ جاء الخائضون في الإفك بأربعةِ شهداءَ يشهدون على ثبوت ما قالوه، فإن لم يستطيعوا فهم الكاذبون فيما اتَّهموا به عائشة.
{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدنيا والآخرة لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
ولولا تفضُّلُ الله عليكم ببيان الأحكام، ورحمتُه لكم في الدنيا بعدم التعجيب بالعقاب، وفي الآخرة بالمغفرة - لنزل بكم عذابٌ عظيم على هذه التهمة الشنيعة.
{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ} .
فقد تناقلتم هذه التهمةَ بألسنتكم وأشعتُموها بينكم، وتخوضون فيما لم يكن لكم علمٌ بصحته، وتحسبَون ان هذا الأمر هين بسيطٌ لا يعاقِب الله عليه، مع أنه أمرٌ خطير عظيم يعاقِبُ عليه الله اشد العقاب.
{ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}
كان عليكم أن تقولوا حين سمعتموه: إن هذا كذِبٌ واختلاقٌ كبير، وأن تنصحوا بعدمِ الخوض فيه. . . . لأنه غير لائق بكم، وأن تقولوا متعجِّبين من هول هذه الفِرية: سبحانك يا ربّ، نحن ننزهك، إن هذا كذبٌ عظيم.