للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير معمول به، والثاني هو المعمول به، وهذا المعنى جاء في تقييد المطلق، فإنَّ المطلق متروك الظاهر مع مقيده، فلا إعمال له في إطلاقه، بل المعتمد هو المقيد، فكأنَّ المطلق لم يفد مع مقيده شيئًا؛ فصار مثل الناسخ والمنسوخ، وكذلك العام مع الخاص، إذ كان ظاهر العام يقتضي شمول الحكم لجميع ما يتناوله اللفظ، فلما جاء الخاص أخرج حكم ظاهر العام عن الاعتبار؛ فأشبه الناسخ والمنسوخ، إلا أن اللفظ العام لم يهمل مدلوله جملة، وإنما أهمل منه ما دل عليه الخاص، وبقي السائر على الحكم الأول، والمبين مع المبهم كالمقيد مع المطلق، فلما كان كذلك استسهل إطلاق لفظ الناسخ في جملة هذه المعاني لرجوعها إلى شيءٍ واحد.

مثال ذلك: قال تعالى: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧]: إنه منسوخ بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ [النور: ٢٩]، وليس من الناسخ والمنسوخ في شيء، غير أنّ قوله: (ليس عليكم جناح) يثبت أنَّ البيوت في الآية الأخرى إنما يراد بها المسكونة (١).

وقيل في قوله: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا﴾ [التوبة: ٩٧]، وقوله:


(١) الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب بتصرف (٣٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>