(٢) أخرجه مسلم (١٣٠٨)، من حديث ابن عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ أَفَاضَ يَومَ النَّحر، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهرَ بمنًى. (٣) قال الأرناؤوط في تعليقه على المسند (٤١/ ١٤٢): وهذان خبران متعارضان، مال بعضُ الأئمة إلى الجمع بينهما، والبعضُ الآخر إلى ترجيح أحدهما، وممن مال إلى الجمع بينهما ابنُ خزيمة، فإنه بعد إيراده حديثَ عائشة، وأنه ﷺ أفاضَ حين صلَّى الظهر قال: هذه اللفظة: (حين صلى الظهر) ظاهرها خلافُ خبر ابن عمر الذي ذكرناه قبلُ أن النبي ﷺ أفاضَ يوم النحر، ثم رجع فصلَّى الظهر بمنى، وأحسب أن معنى هذه اللفظة لا تضادُّ خبرَ ابن عمر، فلعل عائشة أرادت: أفاض رسول الله ﷺ من آخر يومه حين صلى الظهر بعد رجوعه إلى منى، فإذا حُمل خبر عائشة على هذا المعنى لم يكن مخالفًا لخبر ابن عمر، وخبر ابن عمر أثبت إسنادًا من هذا الخبر، وخبر عائشة ما تأولت من الجنس الذي نقول: إن الكلام مقدم ومؤخر، كقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقنَاكُم ثُمَّ صَوَّرنَاكُم ثُمَّ قُلنَا للمَلَائكَة اسجُدُوا لآدَمَ﴾ [الأعراف: ١١] فمعنى قول عائشة على هذا التأويل: أفاض رسولُ الله ﷺ من آخر يومه، ثم رجع حين صلى الظهر، فقدّم (حين صلى الظهر)، قبل قوله: (ثم رجع)، كما قدم الله ﷿: ﴿خَلَقنَاكُم﴾ قبل قوله: ﴿ثُمَّ صَوَّرنَاكُم﴾، والمعنى: صوَّرناكم ثم خلقناكم. اه. قلنا: وقد جمع بينهما كذلك النووي في شرح صحيح مسلم (٨/ ١٩٣)، فانظره. أما ابن حزم فقال -فيما نقله صاحب نصب الراية (٣/ ٨٢) -: أحدُ الخَبرَين وهم، إلا أن الأغلب أنه صلى الظهر بمكة … ، لوجوهٍ ذكرها. ثم قال الزيلعي: وقال غيره: يحتمل أنه أعادها لبيان الجواز. وقال أبو الفتح اليعمري في سيرته: وقع في رواية ابن عمر أن النبي ﷺ رجع من يومه ذلك إلى منى، فصلى الظهر. وقالت عائشة وجابر: بل صلى الظهر ذلك اليوم بمكة. ولا شك أن أحد الخبرين وهم، ولا يدرى أيهما هو، لصحة الطرق في ذلك. وقال الألباني في مناسك الحج والعمرة (٣٧) بعدما ذكر الفعلين، قلت: والله أعلم أيهما فعل رسول الله، ويحتمل أنه صلى بهم مرتين: مرة في مكة، ومرة في منى، الأولى فريضة والثانية نافلة، وكما وقع له في بعض حروبه ﷺ.