ونقل تواترًا، وكان اتفاق مجتهدي الأمة جميعهم عليه نطقًا، بمعنى أن كل واحد منهم نطق بصريح الحكم في الواقعة نفيًا أو إثباتًا، ويقطع فيه بانتفاء المخالف، وهذا لا يجوز إنكاره بعد ثبوته.
كل معلوم من الدين بالضرورة مجمع عليه دون العكس، ولذا لم يكفروا منكر أي إجماع، وإنما كفروا منكر المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة، ولا يختص ذلك بالواجبات والمحرمات، بل لو أنكر من المباحات ما هو من هذا القبيل لكفر.
قال القرافي: وجحد ما علم من الدين بالضرورة كجحد الصلاة والصوم، ولا يختص ذلك بالواجبات والقربات، بل لو جحد بعض الإباحات المعلومة بالضرورة كفر، كما لو قال: إن الله لم يبح التين ولا العنب. ولا يعتقد أن جاحد ما أجمع عليه يكفر على الإطلاق، بل لا بد أن يكون المجمع عليه مشتهرًا في الدين حتى صار ضروريًّا، فكم من المسائل المجمع عليها إجماعًا لا يعلمها إلا خواص الفقهاء، فجحد مثل هذه المسائل التي يخفى الإجماع فيها ليس كفرًا، بل قد جحد أصل الإجماع جماعة كبيرة من الروافض والخوارج كالنظام، ولم أر أحدًا قال بكفرهم، من حيث إنهم جحدوا أصل الإجماع (١).
(١) الأساس في أصول الفقه للدكتور محمود عبد الرحمن (٢/ ٦١).