ومن أمثلة ما توجد فيه جملة معانٍ: القسامة بالأيمان تحصينًا للدماء لعلة الخفية والغيلة في القتل، بحيث يعسر الإشهاد، والقاتل يستخف الأيمان كما يستخف القتل، ويُصِرُّ على الإنكار في غالب الأمر، فلذلك ابتدأ المُدَّعون في القسامة بالأيمان، وهذا على خلاف الأصل، فلا يقاس عليها غيرها.
وكذلك ضرب الدية على العاقلة في قتل الخطأ فإنه معقول المعنى، ولذلك كانت الجاهلية تفعله قبل الشرع، وجاء الشرع مقرًّا له.
ووجه المصلحة فيه: أنَّ الحاجة مست إلى مخالطة السلاح، وتعلم الحرب، والطعان والضراب بها، حتى أبيح الصيد من غير ضرورة، ولا حاجة، بل لما في ذلك من حصول آلة الحرب، ولما كانت النفوس خطيرة لا تهدر، ولم يتعمد القاتل جناية القتل، فلو أقدناه به، أو حملنا المال كله عليه لقطع مخالطة السلاح حسمًا لما يتوقع منه ذلك، فكان من النظر السديد ضرب الدية على العاقلة، إذ لا كبير حيف عليهم في ذلك لخفتها عليهم بالتوزيع، مع أنَّ ذلك ينجبر بما بينهم من التعاضد والتناصر الذي جبلت عليه القبائل فيما بينها (١).
(١) مفتاح الوصول في بناء الفروع على الأصول لابن التلمساني (١٦٠ - ١٦١)، والمستصفى للغزالي (٢/ ١٠٠١ - ١٠٠٢).