للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سؤال العبد عن حياته وعمره]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فهاهو الشهر الفضيل شهر رمضان يميل ميزانه، فبالأمس كنا نستقبله، ونحن اليوم نقضي آخر أيامه الوسطى، ويدخل الثلث الأخير من هذا الشهر الكريم.

ثم ستأتي لحظات من عمر الزمن ونقول: هذا هو اليوم الأخير من رمضان، وهكذا هي الدنيا بأيامها ولياليها وشهورها وسنواتها تنقضي وتمضي سريعاً، فبينما كان الإنسان في الطفولة إذا هو في الشباب، إذا هو في المشيب، ثم تغرب به شمس العمر، ويوارى في التراب، والعاقل هو الذي يستغل لحظات العمر، يستغل هذه الليالي والأيام، وهذه الشهور والسنوات، فلا يجعلها تمضي هكذا هباءً، بل يستفيد منها، ويجعلها مزرعة للآخرة، فإن الإنسان يخسر خسراناً مبيناً إذا ما ضيع عمره عندما يخرج من الحياة، ويحسب ما استفاده من عمره فلا يجده يساوي أياماً أو شهوراً، فيكون عاش طويلاً، واستفاد قليلاً، وكما يقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (خيركم من طال عمره وحسن عمله) وإحسان العمل: بأن تكون في هذه الدنيا كما يريدك الله تبارك وتعالى، فتقضي هذه الأيام والليالي كما يريدك الله عز وجل.

واعلم أننا سنقف يوماً بين يدي الله أنا وأنت والبشر جميعاً، فيسألنا عن أعمارنا، ويسألنا عن شبابنا وأيامنا وليالينا، وعن كل لحظة مرت من عمرك كيف مرت؟! وفيم قضيتها؟! ولن تتحرك قدماك من المحشر إلا بعد أن تسأل عن عمرك: كيف أمضيت هذا العمر؟! وعن شبابك: كيف أبليت هذا الشباب؟! وعن مالك: من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟ وعن علمك ماذا عملت به؟! تسأل في الجملة عن العمر وخاصة مرحلة الشباب والقوة والفتوة والنشاط، فأنت مسئول عن أيامك التي تعيشها في الدنيا كيف قضيتها؟! فمن الناس من يقضيها فيما هو خير، ومن الناس من يقضيها فيما هو شر، ومن الناس من يضيعها بلا قيمة، فبعض الناس لا يكسب فيها أجراً ولا يكسب فيها وزراً، لكنها ضاعت هباءً منثوراً، ولم تحسب في صحيفة أعماله.

وبعض الناس يطوق عنقه بالذنوب والمعاصي فيوبق نفسه، قال صلى الله عليه وسلم: (كل الناس يغدو -والغدو: هو الخروج في الصباح- فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) فكل الناس يصبح ويغدو، ثم بعد ذلك تعمل أنت إما في هذا الاتجاه وإما في هذا الاتجاه.