منجزات الأمة الوسط في صدرها الأول كثيرة، وهذه المنجزات لا يمكن أن نقول: قد تمت، إذا كانت هذه الأمة خير أمة، فهل لكم أن تلقوا بعضاً من الضوء على الجدية كمقوم أساسي لقيام الأمة الوسط؟
الجواب
قضية التوازن والمواءمة بين الحقوق والواجبات: هي قضية احتار العاملون في الإسلام في كيفية المواءمة بين هذه الحقوق والواجبات، فكثير من المتعبدين إذا ما توجه إلى الله تبارك وتعالى يغرق في التعبد حتى ينسى بقية الواجبات المكلف بها شرعاً، وهذه قضية عانت منها البشرية معاناة هائلة جداً، وخاصة النصرانية، ثم بعد ذلك المتصوفة في تاريخنا، فالمتصوفة في تاريخ هذه الأمة عانت من هذه المشكلة، فعندما يجد أحدهم لذة العبادة والمناجاة فإن ذلك يدفعه لأن يقضي ليله ونهاره في التعبد، بل قد يلجأ إلى غار في جبل ينقطع فيه عن الناس، فلا يتزوج، ولا يريد أولاداً، ولا يريد تجارة، ولا يريد أي شيء، وإنما يقتصر فقط على التعبد لله تبارك وتعالى، وهذه قضية خطيرة.
ثم كلما طال الزمن اتسعت الزاوية فيحصل انفراج كبير جداً، ويظن فيما بعد أن هذا هو الدين، فقد وصل الحال بالنصرانية أنه لا يمكن للإنسان أن يبلغ ملكوت الله تبارك وتعالى إلا إذا عذب هذا الجسد، وأهمله وتركه وسخاً قذراً، فكان الراهب منهم يفتخر بأنه جلس ثماني سنوات لم ير فيها ضوء الشمس ولم يغتسل! وهذه تعتبر فضيلة عندهم.
لكن الإسلام جاء بعملية توازن بين الواجبات التي تؤدى لله تبارك وتعالى، والواجبات التي تؤدى تجاه النفس، وتجاه الضيف، وتجاه الزوجة والأولاد، وتجاه المجتمع.
والرسول صلى الله عليه وسلم رفض هذا التوجه من هذه الأمة، فقد أراد بعض الصحابة أن يغرق في التعبد، وأن يقوم الليل ولا ينام، وأن يصوم النهار ولا يفطر، وألا يتزوج النساء، وألا يأكل اللحم، بل يريد أن ينقطع عند عيينة ماء في جبل من الجبال بعيداً عن الحياة، فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يقول:(أنا أتقاكم لله، وأخشاكم له، أما إني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء).
الإسلام عندنا يقول لك: أمط الأذى عن الطريق، وأحسن إلى الناس، وفي غير الإسلام يقول لك: أنا لا دخل لي في أن أرفع الزجاجة من الطريق، فأنا لم أرمها، ولا أن أعين هذه الأسرة؛ لأن هذا عمل الحكومة، فهذا مفهومهم، ولكننا إذا كنا نظرنا إلى أنفسنا من خلال كتاب ربنا، فإن المسألة مختلفة تماماً.