[أعظم الذكر]
وأعظم الذكر قراءة القرآن، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:٤٤]، فهذا القرآن ذكر يذكرك بالله، ويذكرك بيوم القيامة، يذكرك بما ينفعك في الدنيا والآخرة، ويحذرك مما يضرك في الدنيا والآخرة.
وقراءة القرآن نعيم للقلب، وراحة للنفس، واستقامة في العمل، وهو حبل بينك وبين الله تبارك وتعالى، حبل ممدود من السماء، طرفه في يدك وطرفه الآخر عند الله تبارك وتعالى، وخير ذكر الذاكرين أن يقرءوا هذا القرآن، فهو كلام الله تبارك وتعالى، به عزهم، وبه خيرهم وصلاحهم، وأجره عظيم، وثوابه جزيل.
واشغل أذنيك بالخير، واستمع إلى الذكر والعلم، وائت بيوت الله إذا كان فيها مجالس للعلم والذكر -لا أقصد الذكر هذا الذي يفعله بعض الناس حيث يجتمعون على قراءات ما أنزل الله بها من سلطان- لكن أقصد دروس العلم، وتفسير كتاب الله، وقراءة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان سيرة الرسول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وما يعظ به العلماء المسلمين، فهذه هي حلق العلم ورياض الجنة التي تقرب إلى الله تبارك وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) أي أجر هذا؟ وأي ثواب هذا يغفل عنه الغافلون، وتضيع أعمار الناس ولم يستفيدوا منه، ولم يتقربوا به إلى الله تبارك وتعالى؟ وأي أجر أعظم من أن تدعو إلى الله عز وجل فيهدي الله بك قريبك وجارك وصاحباً لك، ويهدي بك زميلاً في العمل قال صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
فهي ميادين لا ميداناً واحداً تستطيع أن تتقرب فيها إلى الله تبارك وتعالى، وتشغل بها هذا العمر حتى لا تتندم عندما يأتينا الموت، وعندما نقف بين يدي الله، وعندما نرى النعيم أو العذاب، عندما يأتي الموت كل إنسان فيقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ}، فهذه الفرصة لا تعوض، بل إنها تنتهي عندما يأتي الموت، فتنقطع التوبة، ولا يقبل الإيمان إذا غرغر العبد، فإنه يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠].
ولذلك فليبادر المذنب بالتوبة فلا يدري متى الموت، وليبادر المسلم بالعمل فقد يفجؤه الموت، فالموت لا تدري متى لحظته، بل إن هناك رجالاً يموتون في شرخ الشباب، في الفتوة والقوة؛ فالموت لا يعرف غنياً ولا فقيراً، ولا قوياً ولا ضعيفاً، يأتي فجأة ولا تدري متى يفجؤك الموت.
فحتى لا يتندم الإنسان فعليه أن يستغل أوقاته في طاعة الله، وحتى لا يفجؤه الموت فيتمنى على الله بعد تلك الساعة أن يمتد به العمر ساعة، ولا يستأخر الإنسان ساعة ولا يستقدم إذا ما جاء الأجل الذي أجله الله.
كذلك: عندما يكون الإنسان في المحشر فيرى الأجر العظيم، والثواب الجزيل للأعمال الصالحة، ويرى الذنوب والمعاصي كالجبال، ففي ذلك اليوم يتمنى لو أنه عمل من الخير كثيراً ولم يضيع أيامه وسنواته فيما لا يفيد.
حتى إن أهل الجنة -لولا رحمة الله تبارك وتعالى- يموتون كمداً؛ لأنهم لم يستكثروا من عمل الخير، ولكن الله يرحمهم فما بالك بأهل النار الذين ألقوا فيها بجرائمهم كيف يكون ندمهم؟! يبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون دماً حتى تنقطع الدماء، وتحفر دموعهم ودماؤهم أخاديد في وجوههم لكثرة جريانها، فانظر! كيف يكون ندمهم؟! وكيف تكون حسرتهم؟! بل إن الموتى الذين في قبورهم أحياناً يتألمون عندما يسمعون رجلاً يذكر الله أو رجلاً يصلي؛ لأنهم لا يستطيعون أن يذكروا الله، ولا يستطيعون الصلاة فيستزيدون.
فنحن لا نزال في الفرصة، ولا نزال في المهلة، لنستغل هذه الأيام الباقية من هذا الشهر، وهذه الأيام الباقية من أعمارنا قبل أن تضيع الفرصة، وفي كل يوم يغادر منا أشخاص يذهبون إلى مصيرهم، وسيأتي اليوم الذي نكون فيه نحن المغادرون، فلنستغل الفرصة قبل أن يأتي دورنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.