إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: لقد خلق الله العباد لعبادته وطاعته، فيحنون جباههم لله ربهم، ويوجهون قلوبهم لمعبودهم سبحانه وتعالى، وقد أمرهم ربهم بذلك في كتبه المنزلة، وعلى ألسنة رسله، وورث الصالحون من بني البشر دعوة الرسل ليدعوا إلى الله عز وجل، ولكن في الإنسان جهالة وظلم وطغيان واستعلاء، فبعض البشر ينسون أنهم عبيد، فإذا ملك الواحد منهم شيئاً من السلطان أو المال ظن نفسه إلهاً ورباً يخضع الناس لأمره، ويتحركون بإشارته، {إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}[العلق:٦ - ٧].
الإنسان الذي لم يحن جبهته لله، ولم يخلص دينه لله سبحانه وتعالى، فيطغى خاصة عندما يرى نفسه على شيء من المال أو السلطان فعند ذلك يصيبه الطغيان، وعند ذلك يخالف أمر الله ودينه، ويتصرف في عباد الله وكأنهم عبيد له، ويتصرف في ملك الله سبحانه وتعالى وكأنه صاحب السلطان، وكأنه لن يقف يوماً بين يدي الله سبحانه وتعالى فيحاسبه عما قدم.
لقد وجد من هذا الصنف نماذج كثيرة، ففرعون أصابه هذا الطغيان، فقد أعطاه الله سبحانه وتعالى الملك فإذا به يعلن للناس أنه ربهم الأعلى، وقال:{يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص:٣٨]، وقال:{يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}[الزخرف:٥١] وسبب هذا الطغيان والاستعلاء أنه أوتي الملك والقصور والمراكب، وأن الناس يطيعون أمره، والأنهار أجراها إلى قصره تملؤه بالبهجة والسرور، فمادام كذلك فإنه يستحق أن يأمر فيطاع، وأن يقول فيستمع قوله ولو كان أمره يخالف أمر الله سبحانه وتعالى وقوله يخالف قول الله عز وجل، ونسي المسكين أنه عبد، وأن هذه نعم من خالقه يختبره بها أيشكر أم يكفر، وأن المصير إلى الله سبحانه وتعالى، فأهلكه الله عز وجل ودمره، وجعله عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين.