الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد بن عبد الله عبده ورسوله.
اعلموا -أيها الإخوة- أن مما يشرح الصدر ويطمئن القلب أن يديم العبد الطاعة لله تبارك وتعالى، صلاة وصياماً وزكاة وحجاً وبراً، يديم الطاعة لله عز وجل، ويتخلص من أوساخ الذنوب والمعاصي والآثام، فيغسلها بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله تبارك وتعالى، فـ (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، والذي تتكاثر عليه الذنوب، تثقل كاهله، وتقصم ظهره، ويغشى ران الذنوب والمعاصي على قلبه، {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤].
فالمعاصي تغشى القلب، وتحول بين الإنسان وبين ربه تبارك وتعالى، والإكثار من التوبة والاستغفار والالتجاء إلى الله تبارك وتعالى يطهر القلوب، فإذا تطهرت اتصلت بربها تبارك وتعالى، وإلا فإن المعصية تبعد الإنسان شيئاً فشيئاً عن الله تبارك وتعالى، حتى تحول بينه وبين الله تبارك وتعالى، فلا يستطيع التوبة، ولذلك كان من أهم صفات أتباع الرسل أنهم يسارعون إلى التوبة ولا يسوفون، فإذا وقع منهم ذنب يسير فإنهم يبادرون إلى التوبة ويستعجلون ولا يؤجلون، فلا تدري أيدركك الأجل قبل أن تتوب أم تتوب قبل أن يدركك الأجل، فإذا بادرت إلى التوبة فإن الأمر سهل، ورحمة الله قريب من المحسنين {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر:٥٣] لا يتعاظمه رب العزة ذنب، فإن الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر، أو مثل قطر المطر، إذا تاب العبد إلى ربه تبارك وتعالى توبة نصوحاً صادقة؛ فإن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً، ولا يتعاظمه ذنب تبارك وتعالى إذا طرق المسلم باب التوبة.
وباب التوبة عريض، أعرض مما بين المشرق والمغرب، وأخبر المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أنه لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها (لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام:١٥٨]، فباب التوبة مفتوح ما لم تبلغ الروح الحلقوم، وما لم يغرغر العبد، وما لم تطلع الشمس من مغربها، فالتوبة مفتوح بابها، والعباد إذا جاءوا إلى ربهم يستغفرونه بقلوب خاشعة، وقلوب فاضلة مؤمنة، فإن الله يتوب على من تاب، ويغفر ذنب التائبين، ويثيبهم، ويجزل لهم العطاء.