العداء الذي بيننا وبين الشيطان عداء مرير وطويل، ولا يمكن أن ينتهي إلا بانتهاء الحياة، فقد عزم على أن يعادي آدم وآدم لم تنفخ فيه الروح بعد، فإن الله عندما خلق آدم تركه ولم ينفخ فيه الروح فأخذ -كما الحديث الصحيح-: (يطيف به الشيطان ويقول: لئن سلطت علي لأعصينك، ولئن سلطت عليك لأهلكنك) فمن قبل أن يخلق الله آدم وهو يضمر له العداء وهذا الحديث في صحيح مسلم.
فعندما نفخ الله في آدم الروح وجد أعظم تكريم يمكن أن يعطى لبشر وهو سجود الملائكة، ولكن في مقابل هذا وجد عدواً بغير ذنب جناه، يعاديه من أول ثانية خلق فيها ألا وهو الشيطان، فقال الله له: هذا عدو لك يا آدم، ومن أول لحظة سأل الله جل وعلا الشيطان: لماذا لم تسجد؟ فقال: أنا خير منه، فقال الله: يا آدم اسكن الجنة ولكن هذا عدوك فاحذر أن يضلك.
وعندما طرد الله سبحانه وتعالى الشيطان من رحمته ومن جنته طلب من الله سبحانه وتعالى أن ينظره إلى يوم القيامة {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}[الحجر:٣٧ - ٣٨]، وعند ذلك قطع على نفسه عهداً بأن يضل بني آدم:{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:١٦ - ١٧]، وقال له الله سبحانه:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}[الإسراء:٦٤]، ثم حذرنا الله سبحانه وتعالى كما حذر آدم من الشيطان فقال:{يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}[الأعراف:٢٧]، وقال:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر:٦]، وقال:{وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}[النساء:١١٩].
ومن الغريب أن علماء الأخلاق حتى من المسلمين وعلماء النفس يركزون جهودهم على عيوب النفس وشرور النفس وبلايا النفس ويتناسون الشيطان الذي يحرك الوساوس ويثير الغرائز الكامنة، فلا يوجد في القرآن تحذير من النفس، وإنما وجد في ذلك استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من شر النفس:(ونعوذ بالله من شرور أنفسنا)، أما الشيطان الخفي العدو اللدود الخبيث فخذ ما شئت من تحذيرات القرآن منه، ثم تجدون عناية كثير من العلماء بالنفس عناية فائقة جداً، فكم من عالم كبير في النفس ألف كتابين وثلاثة وأربعة وخمسة عن النفس، وقل من تحدث عن قضية مداخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ووسوسته وكيف نتخلص من وسوسته، بينما هو أخطر بمئات المرات من النفس الإنسانية، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من مراجعة في هذا الجانب بحيث يكون المسلم عنده بصيرة في عدوه؛ لأن هذا العدو لا يريد أن يقطع رأسي فهذه مسألة سهلة، لكنه يريد أن يدخل الإنسان جهنم خالداً مخلداً، لا يرضى بدون هذا، فالمسألة ليست مسألة موت وحياة بل هي أخطر من ذلك؛ لأنها مسألة خلود في النار.