من العلاقة التي بين الملائكة وبين الإنسان أن هناك ملائكة يحرسون الإنسان ويحفظونه، كما يقول الرب سبحانه وتعالى في سورة الرعد:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}[الرعد:١٠]، كل ذلك سواء في علم الله، قال تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[الرعد:١١]، قال ابن عباس: المعقبات هم الملائكة، جعلهم الله ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه، فإذا جاء قدر الله الذي قدر عليه ترك، فالمعقبات من الملائكة، غير الملائكة الذين يكتبون الحسنات والسيئات، والإنسان لا يدرك قيمة نفسه في ميزان الله سبحانه وتعالى، فقد جعل الله له ملكين يسجلان الحسنات والسيئات، وجعل له ملائكة من أمامه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، وأي شيء لا يقدر الله أن يصل إليه لا يجعلهم يقدرون أن يصلوا إليه، فهؤلاء الملائكة تحفظه، له معقبات من بين يديه ومن خلفه، من أمامه ومن ورائه، يقول مجاهد: ما من عبد إلا له ملك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس، يحفظه من الجن كما يحفظه من الإنس، وما من شيء يأتي على الإنسان إلا أبعده الملك عن هذا الإنسان حتى لا يؤذيه، حتى الحجر يسقط ويكون الملك أمامه أو خلفه فيحرسه فلا يصاب إلا بشيء أذن الله أن يصيبه، وقال رجل لـ علي بن أبي طالب: إن نفراً من مراد يريدون قتلك، فقال علي: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة أي: وقاية، فليس الأمر فوضى، بل هناك تقدير، فالمعقبات المذكورة في سورة الرعد هي أيضاً مذكورة في سورة الأنعام، قال تعالى:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}[الأنعام:٦١] أي: يحفظونه إلى لحظة معينة إلى أن يكتبه الله من الموتى قال: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ}[الأنعام:٦١].
فالحفظة الذين يرسلهم الله هم المعقبات المذكورون في سورة الرعد.
وليس الأمر كذلك فقط، بل حفظ الإنسان من الناحية العقدية بحفظ الوحي من السماء، وهذه من جملة أعمال الملائكة أيضاً، كما يقول الله سبحانه وتعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}[البقرة:٩٧]، وقال:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:١٩٣ - ١٩٤] والروح الأمين هو جبريل، فلا يأتي بالوحي ملك غير جبريل؛ أو لأن جبريل هو المتخصص بالوحي، كما في الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال:(بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه -أي: جبريل- فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)، فهذا وحي من الله لم يأت به جبريل، إنما جاء به ذلك الملك الذي لم ينزل من قبل إلى الأرض، وهذه عناية من الله سبحانه وتعالى.
وجاء عن ابن عباس بإسناد صحيح عن حذيفة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(أتاني ملك فسلم علي، نزل من السماء لم ينزل قبل فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة).
وفي مسند أحمد والترمذي والنسائي عن حذيفة بإسناد صحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(يا عائشة! أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل؟ هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه عز وجل أن يسلم علي ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة).
أيضاً مما يدل على أن بعض الملائكة قد تأتي محمداً صلى الله عليه وسلم غير جبريل بالوحي قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث يرويه الترمذي:(أتاني جبريل وميكائيل فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: يا محمد! اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده فقلت: زدني قال: اقرأه على ثلاثة أحرف، فقال ميكائيل: استزده، فقلت: زدني، كذلك حتى بلغ سبعة أحرف وقال: اقرأه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ)، والعلماء مختلفون في معنى سبعة أحرف، لكن حديث سبعة أحرف حديث صحيح متواتر، وأسانيده تزيد على أربعين، وليس هذا مجال القول في تفصيل ما المراد بسبعة أحرف.