لقد كان في الصحابة من شرب الخمر، ولقد كان في الصحابة من ارتكب الزنا، ولم يخرجهم هذا عن دائرة الإسلام، وإلا فلماذا فرضت الحدود لو كانوا كفاراً عندما يفعلون الزنا وعندما يشربون الخمر؟! إذ لو كانوا كفاراً فلا يوجد أي فائدة من أن تقام الحدود على المسلمين، ولقد جيء برجل شرب الخمر أكثر من مرة، فلعنه أحد الصحابة بعد أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بضربه، فقال:(لا تعينوا الشيطان على أخيكم، إنه يحب الله ورسوله).
ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم بـ حاطب، وهو من الأوائل الذين شهدوا معركة بدر، بعد أن قرأ الكتاب الذي أرسله إلى المشركين، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:(ما هذا يا حاطب؟!) أي: كيف تفشي أسرار المسلمين إلى أعداء الإسلام؟! وهذا ليس بالأمر السهل، إنه أمر خطير، فيقول: والله يا رسول الله ما كفرت بالله، وإني لأحب الله ورسوله، ولكن لي أولاد في قريش وليس لي أهل وعشيرة يدفعون عنهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:(صدقت، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! دعني أضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم؟! فدمعت عينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: الله ورسوله أعلم).
فهذا موقف ضعف، ونحن لا نستطيع أن نحكم على مثل من يفعل فعل حاطب بنفس الطريقة، ولكن الذي نستدل به من الحديث: أن الكبار الذين استقر الإيمان في قلوبهم ولهم سابقة في الإسلام قد يقعون في أخطاء، فالمجتمع الإسلامي في صفوفه أشكال وألوان، والمسلم في مجتمع المسلمين يحب المسلمين، وسمة المسلم حبه للمسلمين، والمسلمون كالجسد الواحد، والمسلمون كالبنيان يشد بعضه بعضاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).