للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اشتراك الجميع في المسئولية عن الجرائم]

وفي الأسابيع الماضية القليلة روعت الكويت بجرائم اقشعرت لها الجلود، واحتارت لها العقول، فتاتان صغيرتان في عمر الورود -كما يقال- يعتدي عليهما وحوش خلت قلوبهم من الإيمان والتعقل والمروءة والفهم.

جرائم أخرى يرتكبها رجل يقفز من فوق الأسوار، ثم يخدر ضحيته ويفعل بها الفاحشة.

فمن المسئول عن هذه الجرائم؟ إن الأب مسئول أولاً، الأب الذي لم يرب ابنه على الإسلام، ولم يربه على الإيمان، فاشتغل بتجارته وماله ووظيفته وشهواته، وترك ابنه للشارع والسينما والتلفزيون، يهيم مع زملاء له في مثل سنه يفسقون ويفجرون، فهذا الأب مسئول يوم القيامة عن ابنه، وهو مسئول عنه في الدنيا أيضاً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (والأب راع وهو مسئول عن رعيته)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر).

فالأب مكلف بالتربية، ومكلف بالتوجيه وغرس الفضائل والقيم، وأن يربي ابنه على الواجبات وأخلاق الإسلام، وإذا كان لا يستطيع؛ إذ ليس عنده علم، فإنه يستطيع أن يعلم ابنه الوضوء والصلاة، وأن يأتي به إلى بيت الله، وأن يصله بأبناء يعيشون على الطهر والفضيلة، وأن يشتري له أشرطة تتحدث عن الإسلام وهكذا؛ فهو مسئول عنه.

والأم مسئولة كذلك، مسئولة أن تفهم ابنها وتعلمه، وكثير من نساءنا في هذه الأيام لا يفقهن هذه القضية، بل كل حديثهن مع أولادهن عن الدنيا، وماذا يمكن أن يكونوا في المستقبل، وبعضهن لا يأبهن بهذه القضية، بل ينشغلن بزينتهن وفتنتهن وتبرجهن، ولا يرعين أولادهن، فهن مشاركات في الجريمة.

والدوائر المختلفة مسئولة أيضاً، فوزارة التربية مسئولة عن هذه الجرائم، لأن وزارة التربية التي تعلم حصتين للدين وثماني حصص للإنجليزي مسئولة عن ذلك، وبعض مدارسنا تساوي بين الدين والرقص، فتعلم بناتنا وأبناءنا الرقص والموسيقى، أما الأخلاق والقيم فأي شيء يسد نقصها، فهي مسئولة عن هذه الجرائم.

فالمدارس ينبغي أن تكون مرتعاً للأخلاق الفاضلة، والقيم النبيلة، ففيها يدرس القرآن، ويدرس الحديث، وفيها يعيش الطلبة أربع سنوات في الابتدائية، ومثلها في المتوسط، ومثلها في الثانوي، ومثلها في الجامعة، فيقضي الإنسان منا طفولته وشبابه في المدارس، فإذا لم تقم المدارس على الطهر والفضيلة والأخلاق الطيبة فمن الذي يربي؟ ومن الذي يرعى؟ وأهم شيء عند المسلم عقيدته وإيمانه، فهو الذي يربيه ويحفظه، وسياجنا الذي يحمينا من الفساد هو هذا الدين، فالشيطان يريد أن يهلك الإنسان بالوسوسة له في الليل والنهار، والنفس الأمارة بالسوء توسوس له، وشياطين الإنس يوسوسون ويريدون أن يفسدوا، ولا عصمة من ذلك كله إلا بالتقوى والإيمان والصلاح.

ولا يعطي التقوى والإيمان والصلاح إلا رجال أخيار يدرسون أبناءنا، فيفتحوا العيون على كتاب الله، وعلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعلمونهم القيم الفاضلة، ويعرفونهم سيرة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وسير الأخيار من هذه الأمة كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وغيرهم، ويعرضوا لهم سير الصالحات من أمهات المؤمنين، ومن المؤمنات الطيبات اللواتي كن مثالاً يقتدى بهن.

وفي كثير من الأحيان تجد الكتب التي تعلم في المدارس تفتح أعين أبناء المسلمين على تاريخ أوروبا وقيمها ومثلها ونظرياتها وأخلاقياتها وفلسفاتها، وتمنع نور الإسلام أن يصل إلى القلوب، فتحتاج المناهج إلى تصفية، وتحتاج الكتب إلى أن تنقى، وأن يعتنى بالدين.

فبهذا الوضع وزارة التربية مسئولة.

والتلفزيون الذي يعرض الجريمة مسئول أيضاً، فالإسلام عندما حرم الزنا والفجور حرم أسبابه، وعندما حرم شرب الخمر خلعه من جذوره، فالذي يبيع أو الذي يزرع العنب ليصنع به خمراً أو يبيعه لخمار هو مجرم في الإسلام، وصاحب السيارة الذي ينقل العنب إلى الخمارة مجرم، والذي يعمل في المصنع مجرم أيضاً؛ لأن الإسلام يقتلع الجريمة من جذورها.

فالذي يعرض الفاحشة ويحببها للناس بتمثيل وفجور وغناء ورقص وأفلام باسم الفن يقتل الأخلاق، ويمزق القيم، ويهدر ما حرم الله، ويشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وهذه جريمة.

وهو مسئول عن جرائم الزنا التي وقعت لمثل هذه الفتيات، فهو مسئول عنها أمام الناس، ومسئول عنها عند رب الناس وسيحاسب عليها، فهو يشارك في المسئولية، ومثله الإذاعة التي تشارك في المسئولية بما تبثه من شر، وبما تبثه من مواد تدعو إلى الفاحشة والجريمة وتحبب إليها.

والصحافة تنشر أموراً قذرة في بعض الأحيان لا يتمالك الشاب نفسه إلا أن يبحث عن الجريمة، لما يرى في الصحافة من صور عهر وفجور، وتمثيليات ومسرحيات تكتب في الجريدة تلهب المشاعر والأحاسيس، فإذا بالشاب يبحث عن الجريمة.

والمسارح التي تقدم ما تقدم تشارك في المسئولية.

والقضاء يشارك في المسئولية، فعندما تأتيه جريمة رجل مجرم فجر بشقيقته، وآخر فجر بجارته، وثالث اعتدى على أسرة آمنة وفعل ما فعله، ثم يحكم عليه بستة شهور من السجن، وأحياناً تخرج في بعض البلاد براءته، وفي بعض الأحيان تتدخل الوساطات فلا يصنع القضاء شيئاً، فيكون مشاركاً في المسئولية.

فرب العباد أرحم بنا من أنفسنا، وأرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وأرحم بنا من قضاتنا وحكامنا، والله الذي شرع لعباده رحيم بهم، ويعلم أن بعضهم قد يكون كالوحوش يفترس الآخرين كما تفترس الحيوانات بعضها في الغابات، فشرع تشريعات سبحانه وتعالى للعباد بما يصلحهم قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:١٧٩]، أي: لكم حياة وأي حياة.

وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:٢]، وتجد البعض يقول عن هذا: إنه وحشية وهمجية، فجعلوا حكم الله وحشية، فذاقوا البلاء، وقد يقع البلاء في الذي يقول بهذا القول، وقد يقع في أولادهم، وأزواجهم، وبناتهم، وهم يتهجمون على شريعة الله، ويعزلون حكم الله أن يحكم في عباده، فإذا بالمجتمع يفقد نعمة الأمن.

ولقد علمنا ما حصل في هذه الديار، من فقد نعمة الأمن، حتى إن بعض الآباء من الذين بيوتهم غير آمنة اعتكفوا في بيوتهم في الأيام الماضية قبل أن يقبض على المجرم خشية على أولادهم، وكثير من الناس ارتجفت قلوبهم، والبنات يجرين في الشارع ذهاباً وإياباً إلى دورهن خوفاً وفزعاً، فعندما يفقد الناس نعمة الأمن فإن الحياة لا تصلح حينئذ.

ولا يأتي بهذه النعمة إلا إيمان يغرس في القلوب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى الصراط سوران عن يمين وشمال، وفي السوران أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وداع يدعو من فوق الصراط: أيها الناس! ادخلوا الصراط ولا تعوجوا، وداع يدعو من ظهر الصراط، كلما أراد أحدكم أن يفتح باباً قال: ويحك! لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلج، ثم بين الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: الصراط الذي ضربه الله هو الإسلام، والسوران عن اليمين وعن الشمال: حدود الله، والأبواب: محارم الله، والداعي الذي يدعو على رأس الصراط هو القرآن، والداعي الذي يدعو من ظهر الصراط: هو واعظ الله في قلب كل مسلم).

فعندما يريد الإنسان أن يفتح باباً، وأن يدخل إلى الزنا، أو يشرب الخمر، إذا بواعظ من قلبه يقول: لا، ويذكره بربه سبحانه وتعالى، وواعظ الله في قلب المسلم هو الذي يسميه الناس الضمير، ويسميه الرسول صلى الله عليه وسلم: (واعظ الله في قلب كل مسلم) فهو ناتج من رقابة العبد لربه، وعلمه بأن الله ينظر إليه، وأن الله يراه، وأنه يسمع به غاص في أعماق الأرض، أو مشى على وجهها، أو طار في أجواء الفضاء، فإن الله به محيط، فعلم الله سبحانه وتعالى يحيط به في ليله ونهاره، في سره وعلنه، أظهر القول أو أخفى حديث نفسه في صدره، فالله سبحانه وتعالى يعلم به، وينظر إليه، لا تحجبه عن ربه ظلمات الليل، ولا طبقات الأرض، ولا جدران البيوت، فعندما يؤمن المسلم بذلك، ويستيقن بذلك، عند ذلك ترجو خيره وتأمن شره.

والناس اليوم يحطمون هذا الواعظ كما قلت، فالتلفزيون يحطمه، والإذاعة تحطمه، والصحيفة تحطمه، والشر الذي يسود المجتمع يحطم هذا الواعظ، والواعظ عند المسلمين سلاح يقاومون به الباطل، ويقاومون به الفساد، ويقاومون به الشر، لكننا نكسر أسلحتنا بأيدينا، ونحرقها وندمرها فيصبح جنودنا بلا سلاح أمام الباطل والشر.

فالإسلام يغرس هذا الوعظ في النفوس، ومن لم يربه الإيمان والإسلام رباه السوط، وربته القوة، ورباه السلطان، فالواعظ يدمر، والسلطان لا يأخذ على أيدي المجرمين بما شرع الله سبحانه وتعالى، فماذا نرجو إن استمر الحال على هذا المنوال ولم نتدارك أنفسنا، ولم نتدارك أجهزتنا، ولم يتدارك العقلاء الموقف؟ لا يأمن الناس في حياتهم، ولا يأمنون في مجتمعاتهم.

فأوروبا وأمريكا تشكوان، فقد استشرى الفساد ووصل إلى الرءوس الكبيرة، فقد سمعنا منذ أيام أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ناله الرصاص، واغتيل رئيس وزراء إيطاليا، إذ أخذ من وسط داره ومن بين أهله، ثم قتل ورمي في الشارع، فالفساد استشرى ووصل إلى الرءوس الكبيرة؛ لأنها لم تتدارك الأمر، ولقد أكرمنا الله بهذا الدين، حيث جلب الأمن والخير لمن عملوا به.

فحري بنا ألا نسير أكثر من ذلك في باطلنا، وأن ننتبه لأنفسنا، وإلا فإننا سنغرق في طوفان كبير.

اذكروا أيها الإخوة! كيف كان حال العرب قبل الإسلام؟ وكيف كانت مجتمعاتهم، وقبائلهم، وأفرادهم؟ ثم كيف أصبحوا بعد الإسلام؟ قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} [آل عمران:١٠٣]، فقد كان العرب قبل الإسلام أعداء متناثرين متناحرين، فتحولوا بنعمة الله إلى إخوة أحبة كما قال تعالى: (