لا توجد الهداية إلا في الإسلام، وأصحاب المبادئ الظالمة الجائرة، وأصحاب الأديان المحرفة يزعمون أنهم يملكون الهداية، وأنهم يملكون تخليص الناس من الشقاوة والحيرة، فالفلاسفة في القديم والحديث يدعون ذلك، واليهود والنصارى يدعون ذلك، ورجال الفكر والتربية وعلماء النفس في الغرب والشرق يدعون ذلك، ونحن نقول في مواجهة ذلك كله:{قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}[البقرة:١٢٠].
فلا هداية للبشرية من ضلالها وشقوتها إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والبشرية في أثناء مسيرتها فقدت الهداية، واستمداد الهداية من غير دين الله الخاتم كفر وضياع، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران:١٠٠ - ١٠١].
وإذا صُنَّا هذه الحقيقة التي صرح بها كتاب ربنا ((إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)) فقد فرنا على أنفسنا جهوداً كثيرة في تلمس الهداية في الكتب السماوية المحرفة، وفي نظريات البشر وأفكارهم المتضاربة المتعارضة، وسرنا في الطريق المرسوم ندعو البشرية إليه، ونحاكم علومهم وعقائدهم إليه، وإذا ما جاءونا يعرضون علينا بضاعتهم رفضناها بعنف؛ لأننا نعلم أن في بضاعتهم دخن، وهم لا يرضون منا إلا أن نأخذ بها، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[البقرة:١٢٠].
وقد أوقف الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الانحراف بعنف، وقال فيه كلمة الفصل بلا غموض ولا لبس، روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن ثابت قال جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(يا رسول الله! إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن ثابت فقلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناًَ، وبمحمد رسولاً، قال: فُسريَ عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: والذي نفس محمد بيده! لو أصبح فيكم موسى عليه السلام ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين).