إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن هذا الكون الذي نعيش فيه بأرضه وسمائه معبد يتجاوب بالتسبيح والخضوع لله سبحانه وتعالى، وليس هناك شيء في هذا الكون إلا وهو خاضع لعظمة الله وجبروته، ثم هو ينطق بالتسبيح والتحميد لخالقه سبحانه وتعالى.
وقد خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون وسخره لأمر، فلا يتمرد على طاعة ربه سبحانه وتعالى بحال من الأحوال، بل يقوم بهذا الأمر بلا عناء ولا جهد، كالآلة التي تعمل بدون تفكير وبدون وعي وبدون عقل، بل بطبيعتها.
وخلق في هذا الكون مخلوقاً فريداً هو هذا الإنسان، فقد خلقه الله سبحانه وتعالى بصفات فذة ليس لها شبيه أو مثيل، وليس لها نظير في المخلوقات التي خلقها الله سبحانه وتعالى، خلقه ليتحمل شيئاً لا تحمله الأرض أو السماء، ولا تحمله الجبال، وليقوم بهمة فذة تتناسب مع خلقته وصفاته، قال تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب:٧٢].
فالحمل الذي تحملناه -معشر البشر- عرضه الله على السماء الواسعة الشاسعة القوية المتينة، وعلى هذه الأرض التي ندب عليها، وعلى تلك الجبال الراسيات، فأشفقت كلها من حمل هذه الأمانة وقالت: ربنا! لا نستطيع أن نتحملها، وخفن من النتيجة، وتحملناها نحن بني آدم! ثم عقب الله سبحانه وتعالى على هذا التحمل الإنساني الآدمي بقوله:{إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب:٧٢]؛ لأنه لا يعلم عظم الأمانة التي تحملها، ولا يعلم ثقلها، ولذلك يفرط فيها ويهملها كثيراً.