[المشكلات العقدية في العصر الحاضر]
ونحن أيضاً تنشأ في عصرنا مشكلات بعضها هي تكرار لما حدث في الماضي، لذا فينبغي أن نعتني بالمشكلات الماضية؛ لأنها لا تزال تتكرر، وأقرب مثال على ذلك ما حدث في مصر في هذه الأيام وأثير حوله ضجة إعلامية ضخمة، فالذين يسمون جماعة التكفير والهجرة عقيدتهم شبيهة بعقيدة الخوارج إن لم تكن هي هي بل أكثر، فقد غلوا أكثر مما غلا الخوارج، فهم يرون أن الذي يرتكب الكبيرة كافر خارج من ملة الإسلام، بل إن كل من لا ينضم إلى جماعتهم فإنه ليس من المسلمين، فكل مسلم ينبغي أن ينضم إلى جماعتهم، وهذه القضية هي تكرار لقضية الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية رضي الله عنها في معركة صفين، فقد خرجوا من جيش علي وقالوا: يا علي! لِمَ قبلت تحكيم الرجال؟ فقد كفرت وكفرنا معك، فنحن نعترف بكفرنا ونستغفر إلى الله ونتوب إليه، فاعترف بكفرك ثم آمن، وكل من رضي بهذا الفعل فهو كافر.
ثم بعد ذلك أصلوا أصولهم: أن كل من ارتكب معصية فهو كافر يخرج من ملة الإسلام، ونشأ عن ذلك جماعة أخرى قالوا: ليس بمؤمن ولا بكافر، بل هو في منزلة بين المنزلتين، وصارت هذه مشكلة اعتقادية، فوضع لها علماء السلف قواعد وضوابط حتى يعرف الناس أن هناك كفراً يخرج من ملة الإسلام، وهناك معاصي وذنوباً لا تخرج من ملة الإسلام.
فهذا أمر مكرر، وليس شيئاً جديداً، ولو كان هؤلاء الذين قالوا بهذا القول درسوا مثل هذا الجانب ما وقعوا فيما وقعوا فيه إن شاء الله تعالى.
فعندما ندرس المشكلات التي حدثت في التاريخ الإسلامي في هذا الجانب دراسة صحيحة فإن ذلك يكون لنا حماية ووقاية، فنعرف الخطأ ونعرف الإجابة عليه، لكن لا يصح أن نقتصر على دراسة هذه الجوانب وحدها، بل لا بد من دراسة المشكلات العقائدية التي تحدث اليوم، فالإسلام قادر على رد كل جوانب الانحراف في كل العصور، فلا بد للمسلم أن يدرس هذه الجوانب التي يحدث فيها الانحراف، خاصة هذه المذاهب الضالة؛ المادية والشيوعية والرأسمالية، فلها أصول عقائدية تقوم عليها، فلابد من دراستها وتبينها.
والمسلمون اليوم على ثلاث فرق، فهناك فرقة تقول: يكفينا أن نعلم المشكلات العقائدية التي حدثت، ويقصرون أنفسهم على هذا الجانب.
وفي مقابل هؤلاء فرقة أخرى عندها علم ضخم جداً في الأمور العقائدية الشيوعية أو الرأسمالية، فيتبينون ذلك ويفهمونه فهما جيداً، لكن عندما ترد عليهم قضية مثل قضية هؤلاء الذين قالوا: إن مرتكب الكبيرة كافر إذا بهم يتلجلجون ولا يعرفون أين الحق.
فكلا الجانبين معه حق ومعه باطل، فالذي درس القضايا القديمة معه حق في هذا، فهذه لا بد من دراستها؛ لأنها تتكرر دائماً، والذين قاموا بدراسة القضايا العقائدية التي وجدت الآن محقون في ذلك؛ فهي مهمة، بل هي أهم من الأمور العقائدية الماضية؛ لذلك لابد من دراستها، فهي مهمة في ذاتها؛ لأنها مشكلات حاضرة موجودة، والأمر الصحيح هو أنه لا بد من دراسة القضيتين، وكلا الدراستين لها أهمية كبيرة.
فحتى نستطيع أن نعيش في وسط نعرفه وندركه ونعرف مشاكله وقضاياه لا يجوز أن نغلق أعيننا، ولقد رأينا بعض إخواننا من الذين كانوا يلتزمون بمنهج الكتاب والسنة في مصر لا يعرف إلا قضايا الشرك القديم، وقضايا البدع التي وجدت في القديم، ولكنه لا يعرف من أمور هذه الحياة وقضاياها ومشكلاتها الاعتقادية كبير شيء، فهو يعيش في القرون الماضية وليس عنده إلا كيف أنه يناقش القبوريين والمخرفين فقط، وهذا جانب لا اعتراض لنا عليه، فهو جانب مهم وخطير، لكن الجانب الآخر أيضاً مهم وخطير.
ونجد في المقابل بعض الناس اليوم يدعون إلى الإسلام في بقاع الأرض وليس لهم حظ ونصيب من دراسات السلف رضوان الله عنهم، فقصروا أنفسهم على مشكلات الحكم ودراسة العقائد المادية الموجودة الآن كالشيوعية والرأسمالية، ونبغوا في ذلك وبرعوا فيه، ولكن إذا اعترضت لهم مشكلات من قضايا العقيدة التي كانت قديماً تلجلجوا ولم يتضح لهم الحق فيها.
والحق أن نجمع ما عند هؤلاء وما عند هؤلاء فنعتني بالأمرين سوياً، ولا نقلل من دراسة الجانب الأول ولا نقلل من دراسة الجانب الثاني، بل كلا الأمرين مهم، فلا بد من العناية بهما.