إن الإسلام جاء كي يرضى الله تبارك وتعالى عنا، ويبين لنا طريقاً ندخل به الجنة، وليس ذلك فحسب، بل الإسلام أيضاً يصلح الحياة الدنيا، فيجعلها واحة آمنة لا غابة وحوش، فالقوي يريد أن يستبد، والحاكم كذلك، والناس يثور بعضهم على بعض.
فسلك الإسلام في ذلك طريقين: الطريق الأول: تربية النفوس وإصلاحها، وتعريفها بربها وخالقها تبارك وتعالى، ووصلها بالله عز وجل، وإشعارها بأن الله يراقبها وينظر إليها ويطلع عليها، وعند ذلك يصبح في النفوس وازعٌ، فيراقب الإنسان نفسه، ويحد من جهله ومن ظلمه، فالإنسان خلق جهولاً ظلوماً، فهو كثير الجهل كثير الظلم، والإسلام يحد من هذا الجهل من هذا الظلم.
إن هذه الأنوار الربانية التي جاء بها القرآن والسنة النبوية؛ لتملأ النفوس نوراً وصلاحاً وحياة، وعند ذلك لا يعتدي الإنسان على غيره ولا يظلم، وإن ظلم فإن نفسه تلومه، وكثيراً من الأحيان يتوب وينيب، ويرجع بنفسه الحق إلى صاحبه.
الطريق الثاني: أن الإسلام جاء بشريعة وقانون يحكم بين العباد، وهذا القانون قانون عادل؛ لأنه من عند العليم الخبير الحكيم سبحانه وتعالى، الذي ألزم الأمة بأن تقيم رجالاً يقومون على هذا القانون، من حكام وقضاة يحكمون به، فإذا لم تفلح التربية النفسية في إصلاح النفوس، وبقي ظلم العباد بعضهم لبعض؛ فإن سلطان الله تبارك وتعالى الذي يتمثل في شريعته والقضاة الذين يحكمون به، يعيدون الحق إلى نصابه، فتصلح حياة البشر، وعند ذلك فإن المظلوم ليس بحاجة إلى أن يثور؛ لأن هناك من يأخذ له بحقه، وكذلك الفقراء ليسوا بحاجة إلى الثورة؛ لأن حقوقهم ستصل إليهم، فلهم في مال الأغنياء حق، ولا يستطيع الأغنياء والأقوياء أن يعتدوا عليهم؛ لأن هناك من يحاسب في الدولة الإسلامية:(القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف منكم قوي عندي حتى آخذ الحق له) فالقوي فيكم ضعيف، والضعيف قوي، فهذا يأخذ الحق منه، وهذا يأخذ الحق له، وهذا جزء من الخطبة التي افتتح بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه خلافته، عندما نصب خليفة للمسلمين.
فمهمة الحاكم أن يمنع هذا الظلم، وعند ذلك لا يحس الفقير بحاجة إلى أن يثور، وإلى أن يفسد في الأرض؛ لماذا؟ لأنه يرى أن حقه سيصل إليه، فليس له حاجة في أن يثور وأن يفسد ويخرب.