[من الأدلة على البعث قوله: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب)]
قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:٥]، فهذا هو الخلق الأول خلق آدم عليه السلام، خلقه من تراب، والتراب جماد لا حياة فيه، ثم صار التراب طيناً، ثم صار الطين صلصالاً كما في آية أخرى: {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر:٢٦]، وقال: {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [الصافات:١١].
شكله الله سبحانه وتعالى بيديه إذ قال لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]، ثم نفخ فيه من روحه، فدبت فيه الحياة، فأصبح حياً سميعاً بصيراً متكلماً، وقبل ذلك كان عدماً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:٥] فالذي حول التراب إلى حياة قادر على أن يعيد ذرات الإنسان بعد أن تضل في الأرض، فالأمر أمره، والقول قوله، والحكم حكمه، ونحن لا نقيس قدرات الله على قدراتنا، لأن الخطأ من هنا جاء، الإنسان لا يستطيع أن يفعل ذلك، لكن هذه قدرتي وقدرتك وقدرة البشر، أما قدرة الله فغير ذلك، أمر الله إذا شاء شيئاً فإنما يقول له: كن، فيكون.
قال الله: ((فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ)) هذا هو الخلق الأول، ثم بعد ذلك تسلسل البشر.
أيضاً حواء خلقت من آدم من ضلعه، وهذه معجزة أخرى، جزء من حي خلق منه امرأة، وبقية الناس تسلسلوا من ذكر وأنثى إلا عيسى فإنه خلق من أنثى بلا ذكر.
قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً} [الحج:٥].
وهذا دليل آخر: فالأرض اليابسة الجامدة لا حياة فيها، ولا نبات فيها، نمر بها وهي قاحلة جرداء، تمر عليها الرياح فتثير غبارها، وتعصف برمالها {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:٥] عندما تمطر عليها السماء إذا بها تتشقق وتخرج نباتاً صغيراً يكبر وينمو، ويزهر ويعطي، ويكون بهجة للناظرين، أين كانت هذه الحياة؟ كانت الأرض ميتة وما فيها ميت، فعندما جاء المطر أحياها {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:٥].
تعقيب الله على هاتين الآيتين: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى} [الحج:٦] أي: الذي ابتدأ خلق الإنسان وكونه من عدم بعد أن لم يكن موجوداً، وأحيا الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي الموتى {وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج:٦]، فقدرة الله لا يعجزها شيء، قدرته في البداية ثم في الإعادة {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:٧].
(وأن الساعة آتية) قادمة لا شك، (وأن الله يبعث من في القبور) الذي أحيا الأرض بعد موتها، والذي خلق الإنسان من عدم سيحييه مرة أخرى، ذلك قوله، وذلك وعده سبحانه وتعالى.
وقدرة الله نشاهدها في الحياة، ونشاهدها أمامنا في كل ثانية في هذا الوجود، يأتي إلى الدنيا بحياة جديدة، بل أحياء، بل عشرات وألوف وملايين الأحياء إذا عددنا الطيور والحيوانات عدا الإنسان، كل حياة تخفق من جديد إنما هي معجزة لا يستطيع أحد أن يدعي أنه الذي أوجدها وصنعها، فالله سبحانه وتعالى الصانع وهو الموجد، وهذا الصانع الموجد سبحانه وتعالى سيعيد الناس ويحييهم مرة أخرى.