فضَّل الله تبارك وتعالى هذه الأمة على غيرها من الأمم؛ لأن الأمة الإسلامية استقامت على منهج الله، فالإسلام هو الذي صنع هذه الأمة، فقد بنى عقيدتها، ورسم منهجها وطريقها، وأقام أخلاقها وقيمها، وتأمل في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:١٤٣]، تجد أن كلمة ((جَعَلْنَاكُمْ)) ليس معناها: خلقناكم، وإنما المعنى الصحيح: صيرناكم أمة وسطاً، وإنما صيرها الله كذلك بدينه المنزل عندما استقامت على الخصائص التي رسمها لها رب العالمين، وتستطيع أن تلحظ هذا المعنى في قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:١١٠]، فهَهنا مُخْرِج وهو الله، ومُخْرَج وهي الأمة، وأداة حصل بها هذا الإخراج وهي الإسلام.
فبالاستقامة على الإسلام تحققت الأفضلية.
إذاً: فليست الأفضلية والخيرية لقباً أطلق على هذه الأمة من غير مضمون، ولكنه عنوان لحقيقة تجسدت في هذه الأمة، فقد سما هذا الدين بهذه الأمة في عقيدتها، وتفكيرها، وتوجهات قلوبها وأقوالها وأعمالها، ونظمها حتى مثلت الأنموذج الفاضل الذي يريده الله تبارك وتعالى للبشرية، وهذه الأفضلية مرهونة باستمرار هذه الأمة على الخصائص التي حددها الإسلام، فإذا تدنت هذه الخصائص أو انحرفت أو زالت فإن الخيرية تتناقص وتضمر وتضعف، وهذا هو السر في تخلف هذه الأمة في عصرنا.
إن أفضلية هذه الأمة تتلخص بأخذها بهذا الدين في نفسها، ودعوة الناس إلى الحق الذي قرره هذا الدين، ونهيهم عن الباطل الذي نهاهم عنه هذا الدين، مع تحقيق الإيمان وفق ما جاء به الإسلام، قال تعالى:{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:١١٠].