لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصاً على آخر هذه الأمة كحرصه على الذين وجدوا في عصره، ولذلك حدث الأمة عن الشرور والفتن التي ستقع في آخر الزمان، يروي مسلم في صحيحه عن أحد الصحابة يقول:(صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم صعد المنبر فخطبنا حتى صلاة الظهر، ثم نزل فصلى بنا الظهر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى صلاة العصر، ثم نزل فصلى العصر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى المغرب، فما ترك شيئاً مما يكون إلا أخبر به أصحابه، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، يقول: فأعلمنا أحفظنا).
وهذا الحديث يشير إليه العالم بالفتن من الصحابة وهو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قائلاً:(قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً فما ترك شيئاً إلى قيام الساعة إلا أخبرنا عنه) أي من الفتن، فالرسول صلى الله عليه وسلم ناصح للأمة، ورحيم ورفيق بها، فهو يخبرها بالشرور والآثام حتى تتجنبها، وحتى لا يقع المسلم فيها، فإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم فيه عصمة للأمة.
ومما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم:(بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم) أي: سارعوا قبل أن تأتي فتن كقطع الليل المظلم، قال:(يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل)، فلا يصبح هناك ثبات على الحق ولا على الإسلام، فتعصف الفتن بالناس فلا يدرون كيف يسيرون، فيصبحون محتارين في أمورهم، بسبب مبادئ ودعوات، وذل وسفور، وسفك للدماء، وانتهاك للحرمات، والناس ضعفاء في دينهم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(قبل يوم القيامة يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟! قال: القتل القتل)، وفي حديث آخر قال:(ليس قتلكم الكفار، ولكن يقتل بعضكم بعضاً)، فيقتل المسلم جاره وعمه وابن عمه! وفي حديث آخر صحيح:(لا يدري القاتل فيما قتل، ولا المقتول فيما قُتِل)، أي: أنه قتل بدون هدف، ولا أسباب، أو قتل لأتفه الأسباب، وأقل الأمور.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(يكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر) أي: تكثر الذنوب والمعاصي، والآثام، وتمر الفتنة على الإنسان عاصفة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تمر، ثم تأتي فتنة أخرى فيقول: هذه مهلكتي، كما في بعض الأحاديث، وفي الصحيحين أن الفتنة تبلغ إلى أن يتمنى الرجل الصالح الموت، قال عليه الصلاة والسلام:(يأتي على الناس زمان يمر الرجل بالقبر فيقول: يا ليتني مكانه! وليس به الدين) أي: ليس مديناً ولا قليل المال، فليس به إلا البلاء، فالفتنة قد تعصف بالإنسان وتهلك دينه، وتلقي به في النار، فيتمنى المسلم في تلك اللحظات الموت؛ حتى لا تعصف به الفتنة.