فالركن الثاني لقبول العمل أن يكون عملك الذي تتقرب به إلى الله مشروعاً، وهذا يحتاج منّا إلى علم، فتتعلم الأعمال المشروعة التي يتقرب بها الناس إلى ربهم، ومن علم حال المسلمين اليوم، أو سافر في مشارق الأرض ومغاربها، فإنه يرى أن المسلمين قصروا كثيراً في فهم هذين الأمرين حتى كأن الإسلام الذي يعلمه الإنسان ويقرؤه في الكتب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين قد أصبح غريباً في ديارنا، ويكاد الناس يثورون إذا ما خالف المسلم هذا الذي يزعمون أنه دين، يقولون: ذهب الإسلام وضاع.
وإذا سرت في مشارق الأرض ومغاربها فسترى من تقديس القبور وعبادتها، وعبادة الأموات شيئاً عجيباً، وهذا كله في القرن العشرين الذي يسمونه قرن النور والمعرفة والعلم، وكثير من الناس -يصلون إلى الملايين- يعكفون على قبور الأموات، فيدعونها ويستغيثون بها، ويلجئون إليها، ويقدمون لها الضحايا، ويقدمون لها النذور والقرابين، وتبنى عليها قباب الذهب وقباب الفضة، ويؤتى لها بالهدايا الثمينة من الشرق أو الغرب، وكل هذا يخالف أصلاً عظيماً وهو الإخلاص، فالاستعانة بهؤلاء ليس من الدين، والاستغاثة بهم ليس من الدين، إنما الواجب إذا كانوا من الصالحين أن نحبهم، وأن ندعو لهم كما علمنا القرآن:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}[الحشر:١٠]، بيننا وبينهم ود ومحبة، فلا نجعلهم آلهة تعبد من دون الله.
وهذه القضية يشاهدها المسلمون في بلاد الشام، في مصر، وفي شمال إفريقيا، وأينما سرت في ديار الإسلام، فهذا البلاء موجود بين المسلمين، وهو ينافي الإخلاص وأصل الدين وهو من الشرك الأكبر.
الأمر الآخر: أن البدع قد انتشرت بين المسلمين في صلاتهم وأذانهم وحجهم وصومهم وغير ذلك، وقد حدث عندنا في مدينة نابلس في فلسطين منذ سنوات أن مدير الأوقاف أراد أن يقصر الأذان بدون أن يُلحق به شيء فوق المئذنة كما كان العمل عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فثارت المدينة وخرجت عن بكرة أبيها في مظاهرات تظن أن هؤلاء يريدون أن يغيروا دين الله، فأصبحت البدعة هي السنة، فالأذان ليس معه شيء كما هو حادث في الكويت، وفي بعض بلاد الإسلام مما يسبق الأذان من تراتيل، وما يعقبه من صلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع، نعم إن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم عقب الأذان سنة، ولكن لا تكون بصوت مرتفع، وإنما يندب لمن سمع الأذان أن يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، فظنوا أن هذا بدعة، والحال أن فعلهم هو البدعة.
وكذلك في الحج نجد أفعالاً كثيرة يفعلها المسلمون وهم يظنون أنها هي الدين، وفي الصيام يقدمون الأذان قبل وقته هذا حال (٩٩%) من ديار الإسلام، وهذا ليس صواباً، وإنما يكون الأذان في وقته عندما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.
وبعض الذين يدعون الإسلام يؤخرون الفطور حتى تتشابك النجوم، وهذا من الابتداع في دين الله، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفطر عندما يسقط قرص الشمس، وعند ذلك أفطر الصائم شاء أم أبى.
لقد انتشرت هذه البدع في ديار الإسلام حتى أصبح المسلمون لا يعرفون دينهم الحق، وأصبحت البدعة سنة، والسنة هي البدعة، والعبادة الصحيحة أن تعبد الله سبحانه وتعالى خالصاً لوجهه تريد ما عنده عز وجل، وأن تعبده كما شرع سبحانه وتعالى، وعند ذلك يرجى أن يكون عمل المسلم صالحاً مقبولاً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.