لقد خسر المسلمون كثيراً عندما تركوا الجهاد، فخسروا خسراناً مبيناً، وتحقق فيهم قول الله سبحانه وتعالى:{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:١٩٥].
فعندما خرج من صفوف المسلمين -في معركة وقعت في تركيا- رجل من صفوف المسلمين في عهد الصحابة وانطلق حتى دخل في صفوف المشركين وحيداً، قال المسلمون: سبحان الله! لقد ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب الأنصاري وهو صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تحملون هذه الآية على غير وجهها، فلقد نزلت هذه الآية عندما انتصر الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فقال الأنصار: لقد ضاعت أموالنا وبساتيننا ونحن نجاهد، والآن انتصر الإسلام، فلنجلس لنرعى أموالنا وبساتيننا وأعمالنا؛ فأنزل الله سبحانه وتعالى:{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:١٩٥]، فكانت التهلكة في ترك الجهاد.
فالهلاك إنما هو في ترك الجهاد وليس في البذل والعطاء، وليست التهلكة في أن يلقي المسلم نفسه في وسط الأعداء ويقاتلهم، إنما هي في توقفه عن القتال وعن العمل، وعن البذل والدعوة، فيقول المتكاسل: لقد شبت، وكبرت، وجاهدت، وعملت، فإن هذا التوقف موت وهلاك ودمار، فعندما يتوقف المسلم فإنه يدمر نفسه، وعندما تتوقف الأمة فإنها تفقد إيجابيتها وخيريتها فكانت التهلكة -كما يقول أبو أيوب الأنصاري - في ترك الجهاد.
لقد تركت الأمة الجهاد في أيامنا فتسلط عليها أعداؤها، فكانت التهلكة بسبب تركنا للجهاد، وتفرقت الأمة وتركت الجهاد، فأصبح أعداؤها أقوياء وتغلبوا عليها فهلكنا؛ وكل ذلك بسبب تركنا للجهاد.
فلو كانت هذه الأمة أمة مقاتلة لما كان لليهود وجود في ديارنا، ولما استطاع الأعداء أن يقسموا بلادنا، ولما استطاعوا أن يدحروا الدولة الإسلامية العثمانية، وقد كان ذلك بسبب تركها للجهاد، وضعفها في آخر أيامها، ولو كنا أمة مقاتلة مجاهدة لما استطاعت الدول في الحرب العالمية الثانية أن تجزئ بلادنا وتأخذ ديارنا.
لقد أصبح عندنا شح في النفوس، وأمراض في القلوب، وأصبح الإنسان يفكر في الدنيا، وفي المال، وفي البيوت، وفي السيارات، وفي الجاه، ولا يفكر في هذه الأمة، بل ولم يعلم أنه إذا تسلط عليه أعداؤه فقد يفقد البيت والأرض والمال! فماذا ترك اليهود للمسلمين في حيفا؟ ماذا تركوا لهم في يافا؟ ماذا تركوا لهم في عكا؟ ماذا تركوا لهم في القدس؟ لقد حفروا الآن تحت المسجد الأقصى، وأخذوا كل شيء، فلقد أخذوا المال، وأخذوا الأراضي والخيرات، فكل بلد يستولون عليها يفعلون بها ذلك.
فالتهلكة إنما هي في ترك الجهاد، وعندما يحسن المسلمون -كما يقول أحد المعاصرين- صناعة الموت وصناعة الجهاد عند ذلك يتغير حالهم ويتبدلون.
فعندما يفهم المسلمون الغاية من الجهاد، والخير الذي يأتي به الجهاد في الدنيا، والخير الذي يأتي به في الآخرة؛ فستتغير نفسياتهم، وسيصلح منهم المعوج، ويستقيم منهم الزائع، وعند ذلك تتحول هذه الأمة إلى خير أمة أخرجت للناس.