للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدروس المستفادة من الصوم]

إن الدرس الذي يستفيده المسلم من الصيام هو أن يزداد طاعة وقرباً من الله تبارك وتعالى، فينبغي أن يحافظ على هذا المسار بعد رمضان، فإذا قدم على الله تبارك وتعالى وجد خيراً كثيراً.

وفي الجانب المقابل ينبغي أن يكون للصيام أثر في الحد من الشر، فالصيام تربية، والصلاة تربية، فالمؤمن الذي تربى على مائدة القرآن، وتربى في شهر الصيام، وربته الصلوات، والذي يراقب ويعلم أن الله ينظر إليه، ينبغي أن يلجم نفسه بلجام التقوى، وأن يبتعد عن الذنوب والمعاصي، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥].

فالصيام طاعة وصلاح للنفس، فهو يبعد المرء عن الذنوب والمعاصي، ولذلك نجد الله تبارك وتعالى في كتابه بعد أن بين لنا وجوب الصيام، وبيّن بعض أحكامه، أتبع ذلك بقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٨٨]، فذكر هذه الآيات بعد آيات الصيام؛ لأن الصائم لا يأكل أموال الناس بالباطل، والمصلي لا يأكل أموال الناس بالباطل، فأنت يا من صمت لله عن الطعام والشراب وهو حلال كيف تأكل الحرام؟ بل كيف تأكل أموال اليتامى؟ وكيف تسرق أموال الناس؟ وكيف تسرق بيت مال المسلمين؟ وكيف تأخذ الرشوة؟ فالمسلم لا يأكل الحرام؛ لأنه يعرف أن له رباً سيحاسبه، وأن الدنيا زائلة فما هي إلا معبر وطريق، فيبقى الإثم، وتبقى حقوق الناس في ذمتك لا تسقط، فلا يأكل الإنسان الحرام: ((وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) تأتي هذه الآية بعد آيات الصيام لتقول: يا صائمين! اتقوا الله واتركوا هذه الأعمال المحرمة.

وليست المسألة فقط أن تصوم ثم بعد ذلك تفطر على ما حرم الله، وتأكل أموال الناس بالباطل، ففعل الخير يحدك من الشر، ويبعدك عنه، وهذه هي التقوى، فلا تغتب الناس، ولا تنمهم، ولا تقع في أعراضهم، ولا تضرب أبشارهم، ولا تأكل أموالهم، ولا تهتك أعراضهم؛ لأنك تخشى الله تبارك وتعالى، وأنتم تعلمون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن).

فهذا الذي يزني لو استحضر أن الله ينظر إليه ويراه فإنه لا يزني، ولو استحضر أن هذه المرأة زوجها حاضر، أو أبوها حاضر، فإنه لا يستطيع أن يزني بها، فكيف لو استحضر أن رب العزة حاضر؟! ما كان ليزني، فإيمانه في هذه اللحظة قد تلاشى، وكذلك عندما تمتد يدك إلى أموال الناس فتأخذها.

وقد روي عن رجل صالح أن امرأة راودته عن نفسه، فقال لها: أغلقي الأبواب حتى لا يرانا أحد، فأغلقت كل شيء، فقال: أغلقي الأبواب، قالت: قد أغلقت كل الأبواب، قال: لا، فإن هناك من يرانا، فالتفتت يميناً وشمالاً فلم تجد أحداً، فقال لها: إن الله يرانا، ثم وقع مغشياً عليه من خشية الله تبارك وتعالى.

فالله تبارك وتعالى إذا كان حاضراً في قلوبنا في شهر الصيام وفي غير شهر الصيام، فهذا يجعل المسلم في مراقبةٍ دائمة لله، فلا تمتد يده إلى الحرام، وعينه إلى الحرام، وأذنه لا تسمع الحرام، ورجله لا تمشي إلى الحرام، ويده لا تأخذ الحرام، كل ذلك وهو مستقيم على طاعة الله تبارك وتعالى، وهذا هو الإحسان، بأن يبلغ المسلم القمة، بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.