[انحراف اليهود والنصارى عن الهداية]
لقد حاد عن طريق الهداية فريقان: فريق تمثل في اليهود ومن صار على شاكلتهم.
وفريق تمثل في النصارى ومن صار على دربهم.
الفريق الأول: اليهود الذين يعرفون الحق، ولكنهم يستكبرون، يقول ربنا لليهود: {َفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ * وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة:٨٧ - ٨٩] أي: قبل أن ينزل القرآن كان يقولون للعرب: سيأتي رسول غداً معه كتاب فنتبعه، ونقتلكم قتل عاد وإرم، فلما جاء الرسول ونزل الكتاب الذي كانوا يستنصرون به ويستفتحون به على العرب، إذا بهم يكفرون به، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:٨٩].
ويقول سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٠١].
ويقول جل وعلا فيهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٤٦].
فكانوا يعلمون أن محمداً مرسل من عند ربه، فيستكبرون ويكفرون، ولذلك سماهم الله مغضوباً عليهم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦ - ٧]، فالمغضوب عليهم هم الذين عرفوا الحق المنزل من عند الله، ولكنهم استكبروا وكفروا؛ لأنهم يريدون أن تكون الرسالة خاصة بهم، {بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة:٩٠] فهم لا يريدون هذا الخير لهذه الأمة، ولو اتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم لنالهم الخير، ولحقق الله لهم وعده، وأنزل لهم المثوبة والأجر، قال تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:٤٧].
ويقول سبحانه: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة:٤١] أي: إياكم أن تكفروا به.
فإذا اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم سينالهم الخير، وتنالهم رحمة الله، فكل من آمن بهذا الرسول فإنه على خير.
الفريق الثاني: هم الذين ضلوا بجهلهم، وهم النصارى الذين يعبدون الله على جهل، ولذلك ابتدعوا في دينهم بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان، فترهبنوا وتركوا الزواج والأولاد والدنيا، {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:٢٧]، أي: ابتدعوا بدعاً عبدوا الله بها، ولكن نحن سبيلنا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨] أي: لا أعبد الله على جهل، بل عن معرفة بالحق، وهو الجانب الذي يعرفه اليهود، ولكن دون طاعة واستسلام لهذا الحق، والنصارى يستسلمون، ولكن على جهل، فهذه الأمة أمة الوسط: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة:١٤٣] والوسط خير بين أمرين، فهي تأخذ الخير من هنا ومن هنا، وتتجنب الشر في هذا وفي هذا.
فأعظم خير يساق إليك، أن تكون على هدى من ربك، أن تكون على طريق الأنبياء والمرسلين، أن تكون على الطريق الواضح الذي سلكه محمد صلى الله عليه وسلم، تهتدي به وتتعلمه، وهذا الطريق له كتبه وله هداته وله دعاته الذين يبينونه ويوضحونه، وهو استسلام لأمر الله، وخضوع لجناب الله سبحانه وتعالى، ورضاً بهذا الحق، واستجابة لهذا الحق، وطاعة لكل ما أمر الله عز وجل، وترك لكل ما نهى الله سبحانه وتعالى، حدوده معروفة، ومعالمه واضحة، ومن طلب الهداية فإن الله سبحانه وتعالى يوفقه لها، قال عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩].
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.