[أسباب الانحراف عن الاستقامة]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.
إن من أعظم ما يحرف مسار الفرد بل مسار البشرية عن الاستقامة على منهج الله تبارك وتعالى هو ما ركب في الإنسان وفي البشر من شهوات، ينحرف الإنسان إذا ما استولت الشهوات على نفسه، أو عندما يقوم شياطين الإنس والجن ليوقعوا البشرية في حمأة الرذيلة والفسق والفساد، وإن أعظم سلاح يواجه به أعداء الإسلام المسلمين أن يحطموا عقائدهم وأخلاقهم بأن يجعلوهم يرتعون في الشهوات.
في حروب صلاح الدين عندما رأى الصليبيون الجدار الصلب الذي يملكه صلاح الدين من القوة التي بناها الإسلام، وغذاها الإيمان أرادوا أن يحطموا ذلك، فجاءوا بمئات من فتياتهم ووضعوهن في معسكرات قرب معسكرات المسلمين؛ ليحطموا الأخلاق، ويحطموا الرجال؛ فتهتز العقيدة، ويهتز الإيمان، فتتبدل الغاية، وعند ذلك يسهل عليهم أن يقتنصوا المسلمين، ولكن صلاح الدين علم بالمؤامرة واحتاط لها، وهي الفعلة نفسها التي يفعلها أعداؤنا بنا في هذه الأيام لتحطيم الشخصية الإسلامية، والعقيدة الإسلامية، والخلق الإسلامي.
زينوا للمرأة أن تخرج من بيتها متكشفة ومتهتكة، ومتبرجة، وأرسلوا فتياتهم إلينا على وصف أبلغ من هذا، فذهب شبابنا إلى ديارهم التي يسودها جو من الإباحية النتن القذر، كل ذلك ليغرقونا في حمأة الرذيلة، والإنسان مزين في نفسه حب الشهوات، والإسلام يريد من أتباعه أن يرتفعوا فوق هذا المستوى، وأن يستقيموا على منهج الله {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:١٤]، هذا هو متاع الدنيا: أموال، زروع، قصور، مراكب فارهة، هذا متاع الحياة الدنيا.
ثم يعرض الله تبارك وتعالى صورة أخرى لا للمتاع، ولكن لنعيم الآخرة، وهو لا يسمى متاعاً، فإن ما في الدنيا من زينة يسمى متاعاً؛ لأنه يتمتع به ثم يزول ولا يبقى، أما نعيم الآخرة فلا يتوقف ولا ينتهي، ولا يتلاشى قال تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:١٥]، هذا هو نعيم الآخرة في جانب متاع الدنيا العارض الزائل الذي لا يدوم، وهو شيء تافه يسير بالنسبة لنعيم الآخرة، وليس معنى ذلك أن الإسلام يقول لك: انزع الشهوات من قلبك وعش راهباً.
فالإسلام جاء بمحاربة الرهبانية، لكنه وضع ضوابط للشهوات، أحل الزواج وحرم الزنا، وحرم اللواط، ووضع حدوداً للزواج، فيحل أن يتزوج الرجل من امرأة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع فلا يزيد، ولا يحل له أن يتزوج من كافرة، فقد وضع الإسلام منهجاً فلا تتعد منهج الله، ولا تحرم ما أحل الله.
وكذا المال شرع لك الطرق التي تمكنك من أن تستفيده منها، وحرم عليك أن تأخذ المال من طريق الربا، وأن تأخذه من طريق الرشوة، وأكل مال اليتيم، وأكل مال الناس بالباطل، وحرم عليك الإسراف، وأمرك بالاعتدال؛ فالله لم يحرم علينا هذه الزينة {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:٣٢]، لكن الإغراق فيها، وأخذها من حيث لا تحل، ونسيان أنك عبد لله تبارك وتعالى هذا هو المرفوض في دين الله وفي منهج الله.
فإذا ما استقام المسلمون عرفوا حقيقة الحياة، وكيف يأخذونها، وكيف يكونون في هذه الحياة، وكيف يسيرون بمنهج الله تبارك وتعالى؛ عند ذلك يستقيم أمرهم، ولا يجد أعداؤهم طريقاً إلى أنفسهم، فيكونون أولياء لله، وأولياء للإسلام، وأولياء للمؤمنين، يقيمون أنفسهم بهذا المنهج، ويستقيمون على هذا المنهج؛ فيعزهم الله تبارك وتعالى بالإسلام، ويعز الإسلام بهم، وتعود المسيرة الإسلامية التي اضطربت في أيامنا الأخيرة اضطراباً شديداً في مواجهة أعداء الإسلام؛ فذل المسلمون وهانوا، فليعودوا مرة أخرى إلى الاستقامة على الطريق، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكون ذلك قريباً.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا وألهمنا رشدنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.