قال سبحانه:{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ}[القصص:١٥] أي: أن موسى كان يتشيع لبني إسرائيل؛ لأنه واحد منهم في الحقيقة، وكذلك أمه التي أرضعته منهم، {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}[القصص:١٥]، وكان رجلاً جلداً قوياً فيه شدة؛ لأن مجرد وكزة خفيفة منه صرعت الرجل، فسقط ميتاً، {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}[القصص:١٥]، وهنا نلمح صفة من صفات القائد المسلم الذي يؤهل لمهمة عظيمة جداً، فالرسل أسوة لنا وقدوة:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام:٩٠]، فهو قال لما قتله:((هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ)) ثم إنه توجه إلى الله يطلب منه المغفرة: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ * فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[القصص:١٦ - ١٨]، وفرعون لن يسكت؛ لأنه قتل واحداً من قومه، وهي ليست مسألة سهلة.
قوله:{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ}[القصص:١٨] أي: أن الذي كان يقاتل بالأمس، أحدث مشاحرة مع قبطي آخر، وقال: يا موسى! أدركني، قال: إنك لغوي مبين.