للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحريم الإكراه على الزواج]

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد عبد الله ورسوله.

هذه رسالة وصلتني وأنا أصعد المنبر يشكو فيها كاتبها من أنه يريد الزواج وأن والده لا يسمح بزواجه إلا من قريبة له ابنة عمه أو ابنة خاله أو ابنة خالته أو شيء قريب من هذا، وهو يتساءل: هل من حق الوالد أن يمنع الابن أو أن يجبر الابن على الزواج من امرأة معينة؟

الجواب

الابن والبنت كذلك لا يستطيع أبوها في الشريعة الإسلامية أن يجبرها على أن تتزوج من قريب ما، فلها الحق أن ترفع أمرها للقضاء، ويجب على القاضي أن يفسخ العقد.

(جاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تقول: يا رسول الله! إن أبي زوجني لابن أخيه -يعني: ابن عمها- ليرفع بي خسيسته- أي: هو شاب طائش ليس برجل، فأراد أن يحفظ هذا الشاب فزوج ابنته من ابن أخيه- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أنت أحق بنفسك، فقالت: يا رسول الله! أمضيت ما فعل أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من أمرهن شيئاً).

صحيح أن البنت في الشريعة الإسلامية لا تزوج نفسها بل يجب أن يوافق الولي على تزويجها، فإذا رغبت في شاب وأبوها لم يرغب بزواجه ينبغي أن تتفق إرادتها وإرادة وليها، وعند ذلك يمكن أن يعقد الزواج، أما إذا رفضت هي فلا زواج، وإن وافقت هي ورفض الأب فلا زواج إلا إذا كان الأب يريد الإضرار بابنته، فعند ذلك ترفع أمرها للقاضي، فإذا ثبت للقاضي أن والدها يضر فيكون القاضي هو وليها ويعقد العقد.

ولو تزوج رجل بدون رضا والده فالعقد صحيح ولا يشترط رضا الأب مثل الفتاة، لكن من باب البر بالوالد الذي أمر الله سبحانه وتعالى به ينبغي أن يستشار ولا ينبغي أن يخرج عن إرادته، لكن في مقابله لا ينبغي للأب أن يصر على أن يتزوج ابنه من فلانة من الناس؛ لأن الابن هو الذي سيتزوج، وليس على الأب إلا أن ينصحه ويرشده ويوجهه، فإن لم يصلح الزواج فهو الذي يتحمل ذلك؛ لأنه هو الذي اختار الزوجة، أما إذا اخترتها أنت، ثم لم يصلح الزواج بعد فالأب هو الذي يتحمل القضية، فهو الذي اختار وهو الذي زوج وهو الذي أكره، ولا بأس أن يستشار الأب، وأن يستشار الأقارب، وعليهم أن يشيروا، لكن الرأي الأول والأخير في ذلك ينبغي أن يكون للرجل الذي يريد أن يتزوج، ولا ينبغي للشاب أن يصر على رأيه إذا كانت الفتاة التي يريد أن يخطبها غير مسلمة وغير تقية، فيجب أن تكون معروفة سيرتها، ومعروفة أخلاقها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يتزوج من ذات الدين المرأة الصالحة التي تتقي الله سبحانه وتعالى وتخاف الله عز وجل وتقوم على بيتها وتحفظ زوجها في حضوره وفي غيبته.

خلاصة الأمر أن الرأي الأول والأخير في ذلك للشاب إلا أنه من باب البر بالوالدين ومن باب أن يستشارا توضع مشورتهما في الاعتبار، لكنها غير ملزمة، ولا ينبغي للآباء أن تأخذهم عصبية الجاهلية، فيقول لابنه: كيف تتزوج من فلانة وهي ليست قريبة؟ أو قريبتك أولى؟ ففي قضية الزواج يستوي هذا وذاك، الزواج من امرأة ليست بقريبة قد يكون أصلح في بعض الأحيان، وقد يكون الزواج بالمرأة القريبة في بعض الأحيان أصلح، ولكن هذا نتركه لتقدير الرجل الذي سيتزوج.

اللهم! اغفر لنا ذنوبنا، اللهم! كفر عنا سيئاتنا.

اللهم! أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم! اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.