للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة سحرة فرعون]

من هذا نفهم موقف السحرة الذين آمنوا بموسى في المشهد العظيم عندما حشر فرعون أهل مصر ليشهدوا التحدي بين موسى عليه السلام وما جاء به من آيات وبين السحرة، وجاء السحرة إلى فرعون ليقولوا: (أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} [الشعراء:٤١ - ٤٤] يطلبون أجراً ومالاً إذا انتصروا في ميدان الصراع، ثم عندما يلقون حبالهم يعتزون باسم فرعون إلههم، قال تعالى: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الشعراء:٤٥].

في لحظة تغير فيها الإنسان! بينما هو عبد لطاغية يأتمر بأمره، ويعتز به، ويطلب منه الجزاء والثواب، إذا به يتغير في كل شيء، الناس ينتظرون نتيجة الصراع، من الذي يغلب: موسى أم فرعون؟ الذي جاء بالسحرة يواجه ما جاء به موسى، فإذا بالسحرة كما أخبر الله عنهم {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الشعراء:٤٦]، عبروا عن إحساسهم ومشاعرهم والطباع التي بهم بالفعل قبل القول، خروا سجداً لله تبارك وتعالى، وقالوا بألسنتهم: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:٤٧]، ورب العالمين ليس فرعون الذي قال: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨]، وقال: (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، قالوا: لا، رب العالمين {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء:٤٨]، رب السموات والأرض وخالقهما ومبدعهما وموجدهما.

إن الذي جاء به موسى ليس سحراً؛ لأن هؤلاء هم أساتذة السحر الذين يعلمون خباياه وزواياه، ويعلمون قدرة الإنسان، إن الذي جاء به موسى ليس سحراً، وهم يعلمون هذا علم اليقين، ويعرفونه، فعندما رأوا المعجزة علموا أن هذا الرجل قد أرسل من عند الله تبارك وتعالى خالق الوجود، الذي لا يستطيع أحد أن يفعل فعله، ولا أن يعمل عمله، عند ذلك لامس الإيمان قلوبهم، وحل اليقين في أفئدتهم فإذا بهم يعبرون عن هذا الذي أحسوه ووجدوه في نفوسهم من إيمان ويقين، يعبرون عن ذلك بأن يخروا ساجدين لله تبارك وتعالى قال تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء:٤٦ - ٤٨].

وبينما كانوا قبل دقائق يعتزون بفرعون إذا بهم في مواجهة الطغيان بعد أن ملك الإيمان نفوسهم يهددهم ويتوعدهم بأنه سيصلبهم على جذوع النخل: {قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:٥٠ - ٥١].

هكذا يفعل الإيمان بالإنسان، يحوله إلى إنسان مسلم مؤمن يواجه ويتحدى ولكن في سبيل الله تبارك وتعالى، في بعض الأحيان الذي ينفع مع الإنسان الحجة والبرهان، فهو الذي يجعله يتلمس طريقه، ويقف على قدميه، ويرى ما أمامه ويسير على الصراط المستقيم وأن ينظر في هذه الحياة.